فاروق يوسف يكتب:
كلمة السر خامنئي
وصل علي خامنئي بإيران إلى الحد الأقصى من سياستها المنفصلة عن العالم، المتصلة به. تناقض يمكن العثور على تفسير له من خلال ردود الأفعال الحيية التي اتخذها المجتمع الدولي في مواجهة ما يجري في العراق.
المعادلة الإيرانية تقع بين حافتين.
اما أن يشرع العالم في اتخاذ إجراءات تأديبية قوية ومؤثرة تدفع بالنظام الإيراني إلى التقهقر والتراجع عن سياساته في المنطقة التي يُفترض أنها حيوية بالنسبة للاقتصاد العالمي كما تقول الأرقام. أو يبلع المجتمع الدولي قوانينه ويضحي بهيبته من أجل إرضاء خامنئي.
وقد يقول البعض إن إيران لن يحدث لها شيء ضار لو أنها التزمت بحجمها الطبيعي، دولة كسواها من دول المنطقة، تتصرف في سياق ما يمليه القانون الدولي عليها من تعامل حسن بين الدول التي تجمعها الجغرافيا.
ذلك قول لا يستقيم مع الظاهرة الإيرانية.
فإيران كما يرد في أدبيات نظامها دولة دينية ذات منحى طائفي. وهي لذلك تتخذ من المبدأ الذي ارساه مؤسس جمهوريتها الجديدة في تصدير ثورتها مقياسا لوجودها. هي حية ما دامت قادرة على القيام بالواجبات التي يمليها عليها ذلك المبدأ.
كانت الظروف التاريخية التي مرت بها المنطقة منذ احتلال الكويت عام 1990 قد جرت بطريقة، كانت إيران هي الدولة الوحيدة المستفيدة منها. كانت هي الدولة الوحيدة التي لم يلحق بها الضرر بسبب الاحداث المأساوية. بل أنها كانت مستفيدة من الفراغ الذي حدث في المنطقة بسبب ارتباك الأمن القومي العربي ودخوله في نفق مظلم.
كان خامنئي يقود غرفة العمليات باعتباره وزير دفاع سابق. وكانت إيران منذ ذلك الوقت قد استعدت لما يمكن أن يجري في العراق من تحولات بعد أن هُزم النظام العراقي وفُرض الحصار الدولي على العراق.
حفرت إيران برعاية خامنئي شخصيا أنفاقا كثيرة في الجسد العربي بأسلوب مريح ولم يكن هناك مشروع يقف في مواجهة مشروعها بعد أن سقط وإلى الأبد المشروع القومي العربي.
كان حزب الله اللبناني واحدا من أهم تلك الانفاق.
ولأنها كانت مستعدة لأي تحول تشهده المنطقة فقد كان تعاونها مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بمثابة التمهيد للفتح الكبير الذي ما كان مؤسس الجمهورية الإسلامية يحلم بإنجاز ربعه.
خامنئي كان رمزا لذلك الفتح.
لولا موافقته على التعاون مع الشيطان الأكبر ما كانت إيران قادرة على اقناع الولايات المتحدة بأن تفتح حدود العراق أمام الميليشيات والأحزاب الموالية لها والتي صار لها الحصة الأكبر في المعادلة الطائفية التي أقامتها الولايات المتحدة لتأسر من خلالها العراق في متاهته الداخلية.
خامنئي هو الأب الروحي والعملياتي لمشروع الاحتلال الإيراني للعراق بعد ان تقرر الولايات المتحدة إجلاء جنودها. وهذا ما حدث عام 2011.
كان ذلك الحدث المكافأة الأميركية لإيران من أجل أن توقع على الاتفاق النووي عام 2015.
لم تقم إيران بالتوقيع لولا موافقة خامنئي.
كل المفاوضات الدبلوماسية كانت هراء مقابل موافقة المرشد الأعلى وذلك ما كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على دراية به.
إيران في حقيقتها هي خامنئي.
لذلك فإن شباب العراق الذين خرجوا محتجين على الهيمنة الإيرانية كانوا قد عززوا وعيهم الوطني من خلال شعاراتهم التي توجهت بالهجاء إلى خامنئي شخصيا. فهم يعرفون أن حوارهم من أجل انقاذ وطنهم لن يكون مع أتباع إيران وذيولها ولا مع مؤسسة الحكم التي أنتجها نظام موال للولي الفقيه بل مع الولي الفقيه نفسه.
كانت كلمة السر بالنسبة لهم هي خامنئي ولا تزال كذلك.
فهم يعرفون أن الميليشيات التي لن تمتنع عن قتلهم انما تنتظر إشارة من يده. إنهم جنوده وخدمه. وليس مستبعدا أن خامنئي نفسه صار ينظر بإعجاب إلى صمود الشعب العراقي أمام آلة القتل التي يديرها في العراق. ستأسره الوطنية العراقية فهو الآخر وطني إيراني بالرغم من التزامه بتنفيذ وصية الامام الخميني.