رضا محمد تكتب:
قراءة تاريخية.. من هو المؤسس الأول لجماعة الإخوان؟
ولد حسن أحمد عبد الرحمن الساعاتي الشهير بــ: "حسن البنا" في قرية المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة بمصر عام (1906م)، وكان والده الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الساعاتي عالمًا بالسنة النبوية والفقه الإسلامي، كذلك كان محبًا للعلم والقراءة، وقد صرف جُلَّ وقته في الاطلاع والتصنيف، فألف عدة كتب، منها: "بدائع المسند في جمع وترتيب مسند الشافعي"، وقد حرص على تعلم أبنائه الأربعة مسانيد الحديث الشريف، ومذاهب الفقه الإسلامي، فدرس ابنه الأكبر حسن فقه الإمام أبي حنيفة، فنشأ حسن البنا في أسرة مشحونة بالعلم والثقافة، فأحب العلم وتشربت نفسه التدين منذ الصغر، وهو المؤسس الأول لجماعة الإخوان المسلمين، ويعد البنا نموذجًا فريدًا للزعيم الروحي، والمفكر الديني، والمصلح الاجتماعي، فقد استطاع حسن البنا في سنواتٍ قليلة أن يؤسس أكبر جماعة دينية بلغ أتباعها الملايين.
مفاهيم وأفكار حسن البنا السياسية:
انطلق البنا من مفهوم محوري في طبيعة السلطة وهي وحدة في البناء الإسلامي، بحيث ميز النظام الإسلامي بأنه نظام رباني شامل خلافًا للنظم القائمة، فأكد على أن السلطة مرتبطة بعقيدة دينية تجمع الأمة ولا تفرقها، كما أنه حاول جاهدًا أن ينفي الفصل بين الدين والسياسة، وكان يرى أن الحكومة الإسلامية تتكون من أفراد مسلمين يؤدون الفرائض الإسلامية ولا يتجاهرون بالمعاصي، وأكد على أن الحكومة التي لا تطبق أحكام الشرع الإسلامي ليست حكومة إسلامية، بالإضافة إلى أن الحكومة ركن من أركان الإسلام، وأشار إلى مجموعة من القواعد من أجل أن يتحقق الحكم الإسلامي في البلاد لابدَ من مراعاتها، وهي:
أ. مسؤولية الحاكم.
ب. وحدة الأمة.
ت. احترام إرادة الأمة.
واعتبر البنا هذه القواعد عبارة عن دعائم للحكم الإسلامي.
وانطلاقًا من هنا نجد أن البنا نظر إلى السلطة على أنها ركن من أركان الإسلام، وهذا مخالف لمذهب أهل السنة، الذين اعتبروا السلطة فرعًا من فروع الإسلام، وليست أصلًا من أصوله. ويمكن الترجيح أن فكرة السلطة عند البنا تأثرت بظروف إلغاء الخلافة الإسلامية من ناحية، والبحث عن نظام إسلامي أصيل وجديد في الوقت نفسه من ناحية أخرى.
وبالنسبة لنظرة البنا للخلافة الإسلامية فقد نظر لها على أنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في إعادتها، ولكن قبل عودتها لابدَ من أن يسبقها عدة أشياء، وهي: بناء الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، فيتكون المجتمع المسلم فتأتي الحكومة الإسلامية، ثم الدولة الإسلامية، ومن ثم تعاد الخلافة الإسلامية.
وقد نظر البنا إلى الدستور نظرة إيجابية مما دفع جماعته إلى المشاركة السياسية في الحياة العامة، لاعتقاده بأن الدستور من صميم الإسلام، وأنه ليس فكرًا غريبًا عن عقيدة الإسلام وشريعته. أما فكرة الحزبية عند البنا فكانت مرفوضة تمامًا، على الرغم من أنه أكد صراحة بأن الإخوان المسلمين جماعة سياسية، إلى جانب عنايتها بالدين والعقيدة، وجاء هذا الرفض لعدة أسباب، منها: أنها أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم. كما أنه نظر إلى الأحزاب على أنها استثمار سياسي لبناء النفوذ الشخصي.
أما عن القانون في فكر البنا، فقد أكد على أن القوانين الوضعية التي تخالف الأحكام الشرعية قوانين باطلة، ولا يحل للمسلم أن يحكم بها، أو يتحاكم بها، أو أن يلتزم بها.
وقد ظل مفهوم المواطنة يتردد في أدبيات الإخوان المسلمين ولكن على استحياء، وذلك بسبب تضارب الآراء داخل الجماعة حوله، إلا أن هذا المفهوم لم يرد صراحة في كتابات البنا، ولكن أشار إليه تحت مسمى الوطنية على اعتبارها مفهوم يقصد به "الانتماء إلى الوطن".
ومن خلال استقراء أفكار حسن البنا حول الأقليات الدينية، نجد أنه أكد أن الإسلام دين الوحدة ودين المساواة، وأنه كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير استنادًا للآية: قوله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
وبالنسبة إلى نظرة البنا إلى المرأة فتقوم نظرته على أساس التفرقة بين الرجل والمرأة من حيث الحقوق والواجبات، وذلك نظرًا لتباين دور كلٍّ منها في المجتمع، كما يؤمن البنا بأن المجتمع الإسلامي هو مجتمع فردي لا فردي، بمعنى أن للرجال مجتمعات وللنساء مجتمعاتهن، ولذلك نجد أنه حارب الاختلاط واعتبره مقدمة للوقوع في المعاصي، كذلك وقف موقفًا معارضًا لمشاركة المرأة في العمل العام لدرجة تصل إلى التحريم.
بالإضافة إلى اعتراضه الواضح والجلي على الديمقراطية التي كان ينادي بها الغرب، حيث يعتقد البنا أن الديمقراطية في عهده كانت بمثابة شعار لممارسات المستعمر الخبيثة ضد الشعوب، وأكد البنا في رسائله أن الدولة الإسلامية عرفت مفاهيم أشمل من مفاهيم الديمقراطية وهذه المفاهيم هي الشورى.
وفي الختام،،
إن تأسيس البنا للإخوان المسلمين ضمن – أيضًا – تجسيدًا مستمرًا لرؤيته للإسلام باعتباره نظامًا شاملًا ينظم الحياة الفردية والشؤون العامة. ومع ذلك، تظل رؤية مساهمة البنا المؤثرة في إطار الميل الأوسع لدى تيار الإحيائية الإسلامية الجديرة إلى أدلجة الإسلامي سياسيًا من أجل معالجة ضعف المتصور إزاء الهيمنة الغربية.