فاروق يوسف يكتب:

في مديح الكادحين

نكذب على أنفسنا إذا اعتقدنا أن الرسم في العالم العربي صار حبيس الملتقيات الفنية التي تُقام بطريقة ارتجالية كما لو أنها سوق ريفي. لقد رأيت تجارب فنية تقع خارج تلك الملتقيات، تمثل رسما جديدا يمكنه أن يزرع الأمل في صدورنا.

الرسامون العرب ليسوا مرتزقة كما يُقدّمون من خلال "سمبوزيوم" ترعاه جهة مصرفية أو فندقية أو خدمية. لا يزال هناك رسامون يقفون خارج حدائق تلك اللقاءات التي تشبه محطات سياحية يراها المرء لمرة واحدة مثلما يفعل حين يحضر عرضا لسيرك.

يشبه رسامو تلك الملتقيات مهرجي السيرك من غير أن يكونوا قد استعدوا للقيام بتمثيل ذلك الدور. إنها خدعة يندم عليها المرء حين يعود إلى مرسمه.

“ما الذي فعلته بنفسك؟” كانت الحياة واسعة قبل أن تضيق بسبب تلك المشاركة المضنية. يسيء الفنان الحقيقي لنفسه حين يشارك في واحد من تلك الملتقيات. عليك أن ترسم لتُظهر أنك رسام كما لو أنك قرد يمثل دور القرد في حديقة عامة. شيء يشبه العقوبة.

أعتقد أن الرسامين الذين يقبلون على المشاركة في تلك الملتقيات يستحقون تلك العقوبة. فالرسم لا يتحمّل تلك التنازلات الموسمية. الرسم فعل خلق. لديه أسراره وألغازه ومتاهاته وحكاياته الخفية، وهو لا يستجيب لتوقيت يقع خارج ساعته.

يمكن أن يجتمع الرسامون في لقاء مفتوح، لكن ليس من أجل أن يرسموا بل من أجل أن يتحدّثوا عن تجاربهم ويتبادلوا الخبرات والأفكار. ذلك حدث عظيم.

أما أن يُستدعى الرسامون لكي يرسموا فذلك من أسخف الأحداث. لقد صارت الفنادق والمصارف تسند إلى متعهد مهمة جلب رسامين ونحاتين من أجل أن يزيّنوا أروقتها وحدائقها بأعمالهم من غير أن يكلفها ذلك شيء يُذكر. كل ذلك هراء ينبغي أن لا يعتبره المرء مقياسا للحكم على حالة الرسم في العالم العربي.

لا يزال الرسم حيا خارج حلبات المتعهدين. هناك رسامون عرب حقيقيون يكدحون من أجل أن يبقى الجمال نقيا بعيدا عن المناقصات