نهى الصراف يكتب:

شعور كبار السن بالوحدة يتضاعف في الأعياد

لا يكون الاحتفال بالأعياد والعطل حدثا سعيدا لدى كل الناس، بل قد يجلب الحزن لبعضهم وخاصة منهم كبار السن، الذين تزداد عزلتهم عند ما تتصادف تلك الأعياد مع فصل الشتاء القاتم مما يعمق شعورهم بالاكتئاب.

بعيدا عن مشاعر الاكتئاب التي تصاحب فترة الأعياد خاصة تلك التي تتصادف وموسم الشتاء القاتم، فإن بعض الناس لا يجدون في هذا التقليد الاحتفالي أو غيره ما يجتذبهم أو يثير اهتمامهم، فضلا عن أن بعضهم لا يبالي ما إذا كان من ضمن مجموعة من الأصدقاء أو المعارف الذين يذوبون ضمن تفاصيل هذا النسيج الاحتفالي ويرقبون توقيتاته باستعداد نفسي وانبهار عاطفي.

هناك بالطبع بعض الأسباب المنطقية، فضلا عن الشخصية، والتي تجعل من هؤلاء يتحفظون في المشاركة أو حتى إبداء الاهتمام بالاحتفال بموسم الأعياد حتى لو لم يتعد الأمر شراء علبة حلوى أو إضاءة شمعة، أو تلبية دعوة للعشاء. هناك من يخشى العمل والجهد والطاقة ثم الوقت المهدور للتحضير لهذه العطلات، تزعجه أفكار مثل الذهاب للتسوق، التحضيرات، زيارات المجاملة، استقبال الضيوف إضافة إلى الإفراط في الإنفاق مع عدم توفر (عائد) عاطفي بالمقابل، فقد تخيب توقعات بعض الأشخاص سواء أكانت مادية أو معنوية، وحتى محاولة الإنفاق والتحضير في مستواها الدنيا قد تسبب شعورا بالإحباط أو خيبة الأمل عند الآخر، خاصة الأطفال.

تؤكد الدكتورة سوزان ديجيز وايت، أستاذة ورئيسة قسم الاستشارات في قسم التعليم العالي، جامعة إلينوي الشمالية الأميركية، أن بعض الأشخاص ينظرون إلى مظاهر الاحتفال بالأعياد في شهر معين من السنة مثل موسم أعياد الميلاد، مع ما يرافقها من مجاملات مبالغ فيها وهدايا ثمينة ومرهقة ماديا لأصحابها، على أنها  نوع من النفاق الاجتماعي حيث تعد تعبيرا سيئا عن الامتنان من الآخرين في الوقت الذي يتعين عليهم فيها دفع مستحقاتها بالمقابل طوال الشهور المتبقية من السنة، في حين ينطبق الأمر ذاته في داخل الحلقات الاجتماعية الضيقة من الأقارب والأصدقاء، فتبدو مظاهر الانسجام والفرح والتسامح متعلقة بشكل ما بموسم احتفالي معين سرعان ما تتبدد مظاهره عند انتهاء توقيته، فتعود الأمور إلى مجراها إذا ما كانت هناك خلافات مسبقة أو فتور في العلاقات، فالمجاملة كانت نفاقا في الأساس، لطفا مزيفا ومشاعر مراوغة.

يمكن أن تشكل مواسم العطلات مصادر للحزن لبعض الناس، خاصة عندما يفتقدون شخصا عزيزا على مائدة الاحتفال كان قد رحل أو ابتعد بشكل ما بسبب الانفصال أو بعد المسافة، فالجميع يتغنى في هذه المناسبات باجتماع العائلة ودفء المنزل والعمل الجماعي والإيثار، ما يشكل تحديا وحزنا كبيرا لمن يفتقد صحبة أهله وتحديدا رب الأسرة، كما أن أوقات الأعياد هي التي يشعر فيها كبار السن أيضا بالعزلة والوحدة أكثر من أي وقت آخر من السنة.

وتنصح الدكتورة وايت الأشخاص الذين يشعرون بالحاجة إلى الانسحاب من الحياة الاجتماعية في هذا الموسم، بعدم الاستسلام لمشاعرهم إذ يمكن أن تصبح هذه العزلة سلوكا دائما تتمثل خطورته  في التركيز على الأفكار السلبية التي تتغذى على نفسها، وهو الأمر الذي يعمق مشاعر الاكتئاب القاتمة. لذلك، يفضل أن يبقى الشخص على اتصال دائم مع الآخرين حتى لو كان بتلبية دعوة بسيطة للأصدقاء أو المشاركة في نشاط خيري تطوعي يقام على هامش الاحتفالات خاصة في الأعياد الدينية، حيث تؤتي مثل هذه الجهود البسيطة ثمارها بالتأكيد فالتركيز على الأحداث الإيجابية في الحياة مضادات طبيعية للاكتئاب. هناك بالطبع تدابير ذاتية لمواجهة سيل المشاعر السلبية التي تحاصر بعض الناس، حتى عندما يكونون بصحبة الآخرين وفي داخل حدود مناسبة اجتماعية من المفترض أن تبث شحنات فرح لكنها تفعل العكس معهم، حيث يفترض أن يسعى هؤلاء لمواجهتها وتحدي المشاعر السلبية التي تخلفها حتى إذا كان هذا بصيغة التظاهر أمام الآخرين، سلوك يوحي بالثقة والقدرة على التمويه، في تبني سلوك المرح والابتسام، القدرة على تقديم المساعدة للآخرين ممن يسعون لصنع إطار الفرح الخاص بهم أو حتى شراء الهدايا للآخرين، إذ أن فعل العطاء يمنح صاحبه شعورا بالرضا عن النفس ويمنح لحياته مذاقا خاصا، الأمر الذي قد يزيح بعضا من رواسب الحزن والاكتئاب العالقة في روحه.

يشعر الجميع تقريبا بجملة من الضغوط بسبب رغبتهم في تحقيق عطلة مثالية، تجتمع فيها كل عناصر النجاح الظاهرية في الأقل، الاستعداد لتجهيز المستلزمات المادية من أدوات زينة وملابس فاخرة وهدايا وموائد طعام حافلة بما لذ وطاب ثم دعوات العشاء التي لا تنتهي وكل ما يلزم لزيادة الضغوط النفسية على أصحابها لبقية أشهر السنة، بسبب الأعباء المادية الثقيلة المترتبة على تجهيزات الأعياد. ويخفق الناس في إدراك حقيقة أن هذه الأشياء هي مجرد مظاهر خادعة وأن المحتوى فارغ من مشاعر البهجة الحقيقية.

كل ما هنالك أننا بحاجة إلى الجلوس إلى كرسي مريح في غرفة معيشة دافئة برفقة أفراد أسرتنا أو حتى عدد قليل من الأصدقاء، لتناول مشروبات باردة أو ساخنة مع وجبة طعام بسيطة شهية وغير مكلفة والاستمتاع بمشاهدة برنامج فكاهي أو فيلم رومانسي في التلفزيون، فالركون إلى سحر الاسترخاء واستغلال الإجازة في الكسل ومحاولة تعويض ساعات النوم المهدورة على طول شهور السنة الحافلة بالعمل والمسؤوليات، لا يتطلب منا أكثر من ذلك.