فاروق يوسف يكتب:
المزحة الجادة
انتشرت مؤخرا في وسائط الاتصال الاجتماعي صورة الموزة الملصوقة على الجدار بشريط لاصق والتي بيعت بمبلغ 120 ألف دولار باعتبارها عملا فنيا. كان اسم العمل “كوميدي” وقام فنان كوميدي بالتهام الموزة في نهاية العرض.
صدّق الكثيرون أن ما رأوه كان عملا فنيا بحيث أن البعض سارع إلى السخرية منه من خلال لصق أشياء مختلفة على الحائط بالطريقة نفسها كما لو أنهم يعرضونها للبيع.
كان ماريزيو كتيلان وهو صانع الكذبة أول المندهشين بسبب ما أحدثته كذبته من إثارة، بحيث اصطف الكثيرون من أجل التقاط صور لأنفسهم مع عمله الفني غير المألوف.
طبعا شعر الكثيرون بالأسف لما وصل إليه الفن من إسفاف وسخف وانحطاط. غير أن المبلغ الكبير الذي دفع من أجل شرائه كان صادما. لم يفكر أحد في السخرية المضادة التي ينطوي عليها عرض تلك التفاهة. كان ذلك العرض بمثابة سخرية من الواقع الذي انتهت إليه الفنون المعاصرة. سخرية من المؤسّسات الفنية والصالات والمتاحف والمصارف والنقاد والصحافيين ورعاة الفن.
كان ذلك العمل المجاني الذي صدم الكثيرين من غير أن يجرؤوا على التعبير عن رفضهم فضيحة مقصودة، كشفت السوق من خلالها عن جهلها وضعف معرفتها بالفن الحقيقي. لقد ذهبت الأنظار إلى مبلغ الـ”120″ ألف دولار من غير أن ترى البضاعة. كانت الفضيحة هي المقصودة.
لقد اشترى أحدهم موزة بـ”120 ألف دولار” التهمها أحدهم من غير أن يدري. ضاعت الأموال بعد أن ضاع العمل الفني. لم يعد العمل الفني قائما. تلك هي حقيقة الأعمال الفنية المعاصرة منذ أن اخترعها مارسيل دوشان.
أخيرا انتصرت كذبة صغيرة على الكذبة الكبرى. ضحك كتيلان من الجميع؛ من الفنون المعاصرة، من مفكّريها والمروّجين لها والقائمين عليها. لم يكن ما قدّمه عملا فنيا. كان الرجل يسعى إلى أن يضعنا في قلب الفضيحة. ثم من قال إن مبلغ “120” كان حقيقيا؟ كان الخبر هو الكذبة التي تقول الحقيقة.