طارق أبو السعد يكتب:
قمة كوالالمبور: كيف يمكن توحيد الصف الإسلامي بالفُرقة؟!
خيّم التوجّس والغموض على أجواء اجتماع أربع دول إسلامية هي: إيران وتركيا وقطر وماليزيا في عاصمة الأخيرة كوالالمبور، جاء الاجتماع بدعوة من الرئيس الماليزي مهاتير محمد، في الوقت الذي يمر فيه العالم الإسلامي بمرحلة شديدة التوتر والترقب؛ فبعض الدول الإسلامية يجتاحها الإرهاب مثل؛ اليمن وسوريا وليبيا، ودول أخرى تعاني من هجمات إرهابية من فترة إلى أخرى، ومنشأ التوجّس والريبة أنّ ثلاث دول من المجتمعين تلاحقها تهم رعاية ودعم التطرف، وهي قطر وتركيا وإيران، وأفعالهم في حق الشعوب العربية مازالت ماثلة أمام الجميع؛ فهل هذه الدول هي التي ستجتمع لتنهض بالعالم الإسلامي؟!
إنّ حضور قطر وايران وتركيا لهذا الاجتماع أثار شكوكاً واسعة لدى بقية الدول الإسلامية، حول طبيعة القمة والدور المنوط بالدول المجتمعة، لذا ترجم على الفور بأنّه حالة من الشقاق داخل جسم منظمة التعاون الإسلامي، التي تعد أكبر كيان للدول الإسلامية وعلى وجه التحديد عندما فرضت تركيا ضرورة وجود قطر في هذا الاجتماع، ولم يكن مطروحاً في بداية فكرة عقد الاجتماع، فقد دعا مهاتير محمد، في بداية الأمر لاجتماع أربع دول هي (ماليزيا وتركيا وباكستان وأندونيسيا) وتوجّست باكستان وأندونيسيا من الدعوة فاعتذرتا، ففرضت تركيا دولتي قطر وإيران على القمة، مما زاد من الشكوك حول الغرض الحقيقي من هذا الاجتماع.
حضور قطر وايران وتركيا لهذا الاجتماع أثار شكوكاً واسعة لدى بقية الدول الإسلامية
وتمثلت ردة الفعل بعدم استجابة معظم دول منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة للمشاركة باستثناء الدول الأربع، رغم إرسال الدعوات لها، بحسب تصريح الرئيس الماليزي مهاتير محمد.
وكانت وكالة "رويترز" للأنباء، نقلت عن مصدر سعودي قوله: إنّ الرياض تلقت دعوة للحضور، لكنها اشترطت أن تعقد القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي.
وبصرف النظر عن مستوى الحضور وحجمه، وأهدافه غير المعلنة، إلا أنّ الرفض الكاسح لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي بالمشاركة أكد تمسّكها بالمنظمة إطاراً حصرياً لنقاش القضايا الإسلامية؛ فالتعاون بين الدول الإسلامية كان طيلة الخمسين عاماً الماضية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي التي ورثت المؤتمر الإسلامي، وهذه المنظمة تمثل واجهة العمل الإسلامي المشترك، كما تعد المرجع الرئيسي لما يقارب من ملياري مسلم، بعدما حققت منذ تأسيسها إنجازات تاريخية في هذا المجال وخدمة قضايا المسلمين، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأطلقت المنظمة "البنك الإسلامي للتنمية" الذي عزّز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وقدم خدماته في مجالات جودة المياه والطاقة وصحة المرأة وإدخال التقنيات الجديدة لتحسين جودة التعليم.
فهل أرادت قطر وتركيا بالدعوة لهذا الاجتماع والتسويق له ليكون بديلاً حاضراً، بعد إضعاف المؤسسات والمنظمات الإسلامية المعترف بها عالمياً ولديها شراكات مع الأمم المتحدة؟ أم أنّ اجتماع كوالالمبور هو محاولة أخرى لفك عزلة قطر السياسية والاقتصادية، ومحاولة لإعادة تدوير تنظيم جماعة الإخوان؟
من الواضح أنّ تركيا وقطر وايران تؤسس لمحور دول راعية للإسلام السياسي، فقد عد البعض اجتماع كوالالمبور واجهة لإعادة تدوير جماعة الإخوان، ومنحها مسحة شرعية بعد الرصيد الكبير الذي فقدته، ربما استعداداً للقيام بدور آخر يراعي المعطيات الدولية الجديدة.
السعودية تلقت دعوة للحضور لكنها اشترطت أن تعقد القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي
البعض رأى أنّ القمة ستار لتمويل عمليات مشبوهة جديدة قادمة؛ فالقطريون قدموا للإيرانيين فرصة نادرة وخدمة مجانية عبر دعمهم لمقترح روحاني في القمة إطلاق عملة إلكترونية تحمل الكثير من المخاطر على التعاملات المالية ويسهل معها تدفق التمويل لصالح الجماعات المتشددة.
كما جاء حضور عدد من الشخصيات المعروفة بانتمائها لجماعة الإخوان ليثير جدلاً واسعاً حول القمة؛ فهذه الشخصيات ذات ارتباط عضوي ووظيفي بجماعات موسومة بالتطرف، مما أكد أنّ الاجتماع يتجاوز فكرة البحث عن المصالح المشتركة، أو دراسة قيام الدول المجتمعة بمشاريع جديدة من شأنها أن تجعل العالم الإسلامي متكاملاً وتنافسياً في عدة مجالات، وأنّ الغرض الحقيقي للاجتماع هو خلق كيان إسلامي مواز لمنظمة التعاون الإسلامي، وأن يكون ستاراً دبلوماسياً يتحرك من ورائه قادة جماعات معروفة بتطرفها، وعلى وجه الخصوص الإخوان المسلمون.
فقد تم دعوة عبد الحي يوسف المعروف بتطرفه في السودان، والذي أفتى بجواز قتل المتظاهرين ضد نظام البشير، وهو من قاد مظاهرة لتأييد تنظيم داعش في الخرطوم، والذي أعلن انتماءه للقاعدة وصلى صلاة الغائب على الأب الروحي للتطرف أسامة بن لادن، ومعه محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي عضو مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر الذي يرأسه يوسف القرضاوي، وعبد الرازق مقري زعيم الإخوان بالجزائر، وهو أحد أكثر الإخوان تشدداً، ويتولى رئاسة أكبر الأحزاب السياسية التابعة للإخوان في بلده وهي "حركة حمس"، ومؤسس مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر ولبنان والأردن وسوريا في العام 2012.
كما دعي للقمة بيرات البيرق، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المرتبط بتنظيم الإخوان العالمي، والمدير العام لقناة الجزيرة سابقاً، وضاح خنفر، والباحث الإخواني الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، المحاضر في جامعة حمد بن خليفة في قطر، وهو أحد أعضاء لجنة التحكيم لجائزة منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، إلى جانب رئيس لجنة التحكيم سيف الدين عبد الفتاح، المناصر لجماعة الإخوان، والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره قطر، والذي يرأسه عزمي بشارة، بالإضافة إلى علي محمد الصلابي، المصنف على قائمة الإرهاب من قبل الرباعي العربي (السعودي والامارات والبحرين ومصر)، والمنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والمرتبط بعناصر وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم القاعدة، وعضو اتحاد علماء المسلمين.
عد البعض اجتماع كوالالمبور محاولة أخرى لفك عزلة قطر السياسية والاقتصادية وواجهة لإعادة تدوير جماعة الإخوان
ومن بين المدعوين لحضور قمة ماليزيا وفد كبير من حركة حماس برئاسة، موسى أبو مرزوق، وأعضاء من المكتب السياسي، وهم: خليل الحية، وعزت الرشق، وحسام بدران، بالإضافة إلى القيادي في حركة حماس خالد مشعل، ومسؤولين آخرين في الحركة من بينهم أسامة حمدان وسامي أبو زهري، وجمال عيسى، هذا الحضور الكثيف لقادة الإخوان المسلمين لا يمكن تجاوزه، بل هو صلب موضوع القمة، وهو ما كشف الوجه الحقيقي للاجتماع المريب.
يشار إلى أنّه وبعد قرار الرباعية العربية بمقاطعة دولة قطر، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين قراراً بنقل عدد من عناصر الصف الثاني للجماعة من الدوحة والانتقال إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور وتركيا، كخطوة لتخفيف الضغط عن الحكومة القطرية.
واللافت أنّه طغت لهجة الدفاع عن قمة كوالامبور في خطاب رئيس الوزراء الماليزي العائد مهاتير محمد وفي كلمات بعض القادة المشاركين، أكثر من اهتمام القمة في حدّ ذاتها بقضايا المسلمين في العالم وشواغلهم!
يوم السبت 21 كانون الأول (ديسمبر) الجاري اختتمت الدول الأربع اجتماعها، مثلما توقع المحللون، بمجموعة من الخطابات والصور التذكارية دون أيّ قرارات ملموسة، واكتفى البيان الختامي بدعوات أطلقها مهاتير محمد بضرورة توحيد الصف الإسلامي، ولكن في "غياب هذا الصف نفسه"!