زيد شحاثة يكتب لـ(اليوم الثامن):
الطرف الثالث.. المحتار
هل جرب أحدنا يوما أن يوضع بين خيارين, لا يخلوان من سوء؟ فكيف إن كان الأمر يخص مصيره ومستقبله؟! فما بالك إن كان الخياران متداخلين وفيهما من الأمور المثيرة للشك والريبة ما يجعلك لا تدري أيهما أحسن من صاحبه, بل أيهما أسوء من صاحبه؟!
أنتج الحراك الشعبي الجاري في العراق, كثيرا من الأحداث والمستجدات التي تجعل أي منا يتفاجأ, ويعيد النظر بكل ما كان يتوقع لسيناريوهات محتملة لتطور الأمور وعلى كافة المستويات.. سياسية كانت أو إجتماعية أو ما يرتبط بهما.
بعض تلك النتائج سيكون لها أثر على المدى الطويل, لكن بعظها الأخر كان لها نتيجة مباشرة أنية.. ومنها ما يمكن أن يرتب خطرا على المجتمع وتماسكه مستقبلا, إن لم يتم التعامل معه بشكل صحيح أو يلتفت له أصلا.
من أخطر ما نتج حصول إنقسام مجتمعي وإستقطاب واضح وحاد, حول قضايا وأحداث رافقت الإحتجاجات, كان يفترض أن لا يكون حولها أي نقاش, ويفترض أن تكون محل إجماع.. لكن الواقع أظهر غير ذلك وبشكل غريب ومقلق جدا, لمن يفهم طبيعة المجتمع العراقي, ومدى وكيفية تفاعله مع أي حدث..
من الأمور التي حصلت حولها إنقسامات حادة بين مؤيد للحدث ومعارض له, ما حصل من خطف وقتل لبعض الناشطين, وحرق لمراقد ومساجد, وعنف مفرط من بعض قوات الأمن, وحرق محال ومقار تجارية, وأخرها الجريمة البشعة التي حصلت في منطقة الوثبة.. فهذه قضايا يفترض أن لا يكون هناك نقاش حول رفضها وبشاعتها, لكن كيف وهناك من يرفض أصل الإحتجاج السلمي, أو يكره حفظ النظام وإستقرار الأمن.. وإن لم يعلن ذلك؟!
رغم كم الإعلام الموجه والأجندات الخارجية التي دخلت على خط الإحتجاجات, وهي أمور لا ينكرها إلا أحمق معاند.. لكن أصل فكرة الإحتجاجات, حظيت بتأييد شعبي منقطع النظير, وتوحد خلفها معظم الناس, لما عانيناه من فشل في إدارة المؤسسات من مختلف الحكومات التي تولت السلطة.. لكن هذا لا يعني إن الإحتجاجات كانت ملائكية.. ببعض ما رافقها من أفعال ضارة ومرفوضة وأحداث بشعة..
من جانب أخر فإن موقف الدولة ومؤسساتها في التعامل مع الحدث, كان فاشلا ومرتبكا بكل معنى الكلمة, فلا هي نجحت في ضبط الأمن بشكل صحيح ضمن سياقات القانون وحفظ الشأن العام وإتاحة حرية التعبير, ولا هي حافظت على التظاهرات بسلميتها ومنعت من يحاول تخريبها, فتاهت الأمور بين تسيب فوضوي واضح, وقسوة وعنف مفرط وصل حد القتل المتعمد للمحتجين والمواطنين الأبرياء!
هكذا موقف مختلط وضبابي, جعل السواد الأعظم من الناس, لا تستطيع أخذ موقف واضح من الجانبين, خوفا وخشية من إختلاط الفهم, وشدة الإنفعال العاطفي الهستيري.. فمن ينتقد ما يحصل من أخطاء وتصرفات مرفوضة في التظاهرات, سيوصف بانه عميل وربما " ذيل" وويل له إن حدث هذا في ساحات التظاهر.. وإن طالب الدولة بفرض النظام والقيام بمسؤولياتها والسماح بالإحتجاجات وحمايتها, وصف بأنه عميل وربما " جوكر" وربما سيكون أسمه ضمن قوائم المراقبة, وهاجمه من يدعمون الطرف الأول, حتى لو كانت مطالبه حمايتهم!
رغم وضوح موقف المرجعية, بضرورة المحافظة على سلمية الإحتجاجات, وكذلك مطالبها الحكومة بالمحافظة على الأمن العام وحماية المحتجين, لكن كلا الطرفين كان يكتفي بان يأخذ ما يوافق مواقفه في خطب المرجعية, وينسى ما يخصه منها.. أو هذا ما سوقه الإعلام الذي يدعي تمثيلهما..
هل يمكن وصف المواطنين الذي يؤيدون التظاهرات السلمية فقط, ويطالبون الحكومة بان تحفظ الأمن العام وتحفظ حق حرية التعبير والإحتجاج, وتعيد طلابنا الى مدراسهم وتتيح الإحتجاج ضدها.. بانهم الطرف الثالث؟
أم أن هذا سيدخلهم في خانة المتآمرين على المحتجين وعلى الحكومة معا؟! هل من حل لتلك الحيرة؟!