فاروق يوسف يكتب:
المحتجون هم سادة المرحلة المقبلة
فشلت الأحزاب الحاكمة في العراق في فرض مرشحها لرئاسة الوزراء على رئيس الجمهورية المكلف دستوريا باختيار من يشغل ذلك المنصب.
وحين يهدد الرئيس بالاستقالة فإن ذلك معناه ان التهديدات والضغوط التي يتعرض إليها هي أكثر شدة من إمكانية الأحزاب على القيام بذلك.
لا يحتاج المرء إلى شيء من الفطنة لكي يكتشف أن إيران هي مصدر تلك الضغوط التي يواجهها الرئيس العراقي من أجل دفعه إلى القبول بإداء دور زائف قد يكون المحطة الأخيرة في حياته السياسية.
وليس صحيحا القول إن إيران لا تزال ممسكة بخيوط اللعبة السياسية في العراق وإن الوضع هناك لا يزال تحت السيطرة، سيطرتها.
لقد حدثت أمور كثيرة، من شأنها أن تحدث تغييرا كبيرا في المعادلات السياسية التي كانت قائمة حتى بداية أكتوبر الماضي.
ما صار واضحا أن هناك إرادة شعبية في العراق صارت لأول مرة هي المحرك الأساس للقرار السياسي. وهو ما جعل الأحزاب رهينة للشارع الثائر بدلا من أن يكون الشارع رهينا لإرادة الطبقة السياسية التي صارت معزولة.
وكما يبدو فإن تلك الطبقة لا تملك حلولا لفك عزلتها سلميا بعد أن أُتخمت ثراء على حساب شعب تم افقاره بالقوة وهو ما جعل المسافة بين الطرفين تتسع بحيث لا يمكن اليوم ردم الهوة بين مَن يحكم ومَن يُحكم.
لم تعد مشكلة الحكم قائمة بعد أن كانت هي الشغل الشاغل للسياسيين.
صار السياسيون مجبرين على الانتقال إلى مرحلة جديدة تتعلق بوجودهم أو بالأحرى مصيرهم. وذلك في حد ذاته يعد انتصارا لإرادة الشعب.
فلأول مرة منذ عام 2003 تشعر النخب السياسية التي جلبها المحتل الأميركي ليضعها في الحاضنة الإيرانية بحرج موقفها حيث تواجه ما يمكن أن يكون بداية لمساءلة تاريخية قد تمتد لتصل إلى فتح أوراق السنوات الماضية وما تخللها من عمليات فساد كبرى دفعت بالعراق إلى أن يكون واحدا من أكثر دول العالم فسادا في التاريخ.
لذلك فإن الأحزاب حين تحاول أن تفرض مرشحها لرئاسة الحكومة على رئيس الجمهورية ومن خلاله على الشعب فإنها انما تسعى إلى أن تتجنب الانزلاق إلى هاوية تلك المساءلة.
الخوف هو شعار المرحلة التي يمر بها سياسيو العراق الذين لطالما اعتقدوا أن الحماية الإيرانية ستكون كفيلة برد أي خطر يواجههم.
وإذا ما كان ممثلو الأحزاب في مجلس النواب قد دخلوا معركة الساعات الأخيرة التي فرقت صفوفهم ووزعتهم بين فريقين. فريق يطالب بفرض مرشح الأحزاب على الجميع وفريق آخر يطالب باستمالة الشعب من خلال التعرف على المواصفات التي يريد توفرها في شخص رئيس الحكومة المقبلة فإن الرأي الحاسم لا يمكن الوصول إليه تحت قبة مجلس النواب.
وهو ما يتطلب نوعا من الانتظار حتى يتبلور ذلك الرأي في ساحات الاحتجاج التي أقرت الصفات العامة من غير أن تهتدي إلى الشخص المؤهل الذي تنطبق عليه تلك الصفات.
إنها عملية ولادة عسيرة لا يمكن وضع توقيت محدد لها.
غير أن ذلك لا يعني أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا. فما يتم تداوله بين المحتجين ليس سرا. هناك استفتاءات شعبية علنية. وهناك باب مفتوحة وستظل مفتوحة لقبول ترشيح شخصيات وطنية لا نوبها شائبة الاحتلال ولا الارتباط بالحكومات التي ولدت بعده.
اما نجاح رئيس الحكومة الذي يتم ترشيحه من قبل الشعب في مهمته فإنه سيكون مرتبطا بالضغط الذي يمارسه الشعب من أجل تغيير قانون الانتخابات وحل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
شروط المحتجين ستظل قائمة إلى أن تنتهي المرحلة الانتقالية. وهو ما يعني أن الأحزاب لن تُعطى ولو فرصة واحدة من أجل الالتفاف على منجزات الانتفاضة الشبابية.
لقد حكمت تلك الأحزاب ستة عشر عاما مكللة بفشل وفساد عظيمين. هذا يكفي.