علي قاسم يكتب:

لا لبنان هو لبنان، ولا السودان هو السودان

لبنان ليس لبنان، وسوريا ليست سوريا، والعراق ليس العراق، وليست ليبيا هي ليبيا، ولا اليمن السعيد هو بسعيد. الجزائر أيضا ليست هي الجزائر، التي دفع مليون من أبنائها أرواحهم لتنال استقلالها. والسودان ليس هو الآخر السودان، الذي طالما وصفه العرب بسلة غذاء العالم.

ماذا حدث؟ ولماذا هجر الرب سماء تلك الدول؟

يبدو أن الله تخلى عنا جميعا بدءا من عام 1975، عندما هجر سماء لبنان وجبلها، مع بداية حرب توصف بالأهلية، وما كانت بالأهلية.

لماذا بعد عامين من حرب انتصرت فيها الجيوش العربية، تندلع حرب أهلية في أجمل دول العرب؟ ألم يكن لبنان وقتها “قطعة من سما” وتحول إلى قطعة من جحيم؟

اللبنانيون لم يقتتلوا فيما بينهم بل دُفعوا إلى الاقتتال، اقتتال دام 15 عاما، شاركت فيه قوى خارجية ولم تنته المؤامرة مع خفوت صوت الرصاص وانقطاعه.

بسبب الاقتتال فقدت الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها، فتهاوت من ثلاث ليرات للدولار، إلى أكثر من 3000 ليرة للدولار. وبعد اتفاق الطائف، استقر سعر الليرة على حدود 1500 ليرة للدولار.

واليوم يستقبل اللبنانيون أعياد الميلاد وسط أزمة اقتصادية حادة، واحتجاجات اندلعت في 17 أكتوبر الماضي.

لبنان هذا العام “مش لبنان”.. لقد هجره المتسوّقون والسوّاح، وبدت شوارع بيروت شبه مهجورة، وخلت مطاعمها ومتاجرها من الزبائن.

وبدلا من الحفلات الموسيقية الصاخبة، اختار اللبنانيون ارتياد الكنائس. حيث رفعت الفنانة ماجدة الرومي، في واحدة منها، صلواتها من أجل خلاص بلادها.

وكما استجار وديع الصافي يوما بالمسيح، طالبا منه أن لا يهجر سماء لبنان، استجارت الرومي به “عينك ع وطنا بالأيام الصعبة”، هكذا توجهت إليه في عيد الميلاد، داخل كنيسة “الأيقونة العجائبية” للآباء اللعازريين، في بيروت.

طلبت الرومي من جمهور المصلين أن يحافظوا على إيمانهم وخاطبتهم قائلة “ألستم أحفاد الذين ماتوا بلبنان وقت المجاعة بحرب عام 1914؟ الناس الذين قدروا أن يكملوا كانوا أهلكم وناسكم.. ونحن أيضا من اخترع أسبابا ليعيش ويفرح، في الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1990”.

جيد أن نصلي ونتوجه بالدعاء إلى الرب طالبين منه العون والرحمة، لكن ذلك لن يكفي ليغير حالنا، ما لم نغير ما في نفوسنا. وهناك اليوم ما يشير إلى أننا شرعنا في ذلك.

دول عربية عديدة تودّع عاما مثقلا بالأزمات، وبدلا من أن تعيش شعوبها ربيعا، بدأ في تونس منذ 10 سنوات، وانتقل منها إلى دول عربية أخرى، يعيش الجميع حالة غليان وترقّب.

في لبنان، كما هو الحال في تونس والعراق والجزائر وليبيا واليمن وسوريا، نودّع عام 2019، لندخل عام 2020، والجميع عاجز عن الوصول إلى حكومة يتفق عليها الجميع.

وبعد أن كانت الديمقراطية والحرية هي المطلب الرئيس، أصبح القضاء على الفساد وتأمين العمل هو مطلب تلك الشعوب، التي اجتمعت على إدانة السياسيين، وباتت تطالب بحكومات كفاءات لإدارة البلاد وشؤون العباد.

عشرية سوداء، هكذا نراها اليوم، نأمل أن تكون خاتمتها بيضاء، ويكفينا منها أن تضع حدا لعصر الأيديولوجيا وهيمنة الأحزاب والولاءات الطائفية والتطرف.