علي قاسم يكتب:

ما تحتاجه تونس هو دكتاتور عادل يفرض القانون بقوة القانون

لم يبق سوى أيام قليلة ويطوي التونسيون عام 2019، وسط حالة تشاؤم تسود الشارع، وملفات عالقة تنتظر من يقدم حلولا لها. ويتساءل التونسيون، هل وصلت البلاد إلى مرحلة من التدهور أصبح من الصعب معها، إن لم يكن من المستحيل، إخراجها من وضعها الاقتصادي المزري وحمايتها من الإفلاس؟

الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي نظر إليها العالم بوصفها مكسبا حققه التونسيون، لم تنجح في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يطمح إليه الجميع. وليس هناك ما يشير إلى أن المطالب المعلقة منذ ثورة 2011 اقترب حلها، بل على العكس من ذلك، كل شيء يشير إلى أن العام المقبل سيكون أشد صعوبة، خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. فالانتخابات، رغم أنها مكسب هام، إلا أنها لم تنجح في تقديم الحلول، ولم تزل الفقر والتهميش.

والمؤشرات اليوم سلبية، بدءا بمعدلات البطالة، وانتهاء بتراجع القدرة الشرائية، ومستويات التضخم، خاصة في السلع الاستهلاكية والغذائية. هذا إلى جانب ارتفاع المديونية، التي ستكبل أي حكومة جديدة لسنوات قادمة.

ووفق الأرقام الرسمية، لم تتجاوز نسبة النمو 1.1 بالمئة خلال التسعة أشهر الأولى من 2019.

وأرقام البطالة، إذا استثنينا المقنعة منها، لم تنخفض عن 15 بالمئة. وتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدلات التضخم من 6.6 بالمئة خلال 2019 إلى 5.4 بالمئة في 2020.

وحسب مشروع ميزانية 2020، من المتوقع أن يتجاوز الدين العمومي، خلال 2020، 94 مليار دينار، أكثر من 33 مليار دولار، ما يشكل ثلاثة أرباع الناتج المحلي.

وكان مسؤول حكومي سابق قد كشف مؤخرا عن رفضه منصبا وزاريا عرض عليه، لأنه لن يكون قادرا على وضع حل ينقذ البلاد مما وصلت إليه ويجنبها كارثة أصبحت، حسب قناعاته، حتمية لا يمكن تجنبها.

الكلام خطير، وصدوره عن مسؤول، يزيد من خطورته. فهل حقا أن الوضع الاقتصادي المتأزم في تونس وصل إلى مرحلة لا ينفع معها علاج؟

من أولويات أي حكومة جديدة وقف التدهور، وضبط التوازنات المالية، وربما فتح ملف الفساد بجدية، وهذا لن يتم إلا بمحاسبة الحزب الفائز بالانتخابات على برنامجه الانتخابي.

ويعلق التونسيون آمالا كبيرة على الرئيس المنتخب قيس سعيد، رغم الصلاحيات القليلة التي يتمتع بها وفق الدستور.

المشهد العام يمكن تلخيصه بنقاط ثلاث: أولها، الجانب السياسي، حيث فشل الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية في المشاورات التي أجراها مع الأحزاب الأخرى التي أعلنت وقوفها في صف المعارضة.

وثانيها، أوضاع مالية صعبة، مصحوبة بعجز في الميزانية، تتفرع عنها النقطة الثالثة، وهي الأهم، موقف صندوق النقد الدولي، الذي بات يهدد بوقف صرف القسط القادم من قرضه لتونس، مشترطا إصلاحات أبرزها تقليص التعيينات وإصلاح المؤسسات العمومية، وتقليص رقابة البنك المركزي على سعر الدينار التونسي ورفع الدعم الحكومي عن السلع.

التصدي لهذه النقاط يحتاج حكومة قوية، تستطيع أن تواجه وتتبنى الخطوات المناسبة لحلها. وهذا لن يتم إلا بالكثير من التضحيات، في ظل وضع اقتصادي أصبح كارثيا لدرجة يصعب معها العثور على حل، ولن ينفع معه سوى حل جذري هو أشبه بالبتر أو الكي.

وفي مجتمع اختلطت فيه المفاهيم، ولم يعد بالإمكان التمييز والتفريق بين الحرية والفوضى، يصبح تبني علاج البتر والكي شبه مستحيل، ما لم يتطور الداء ويستفحل إلى درجة يقتنع معها المريض بجدوى هذا النوع من العلاج.

الخوف من تسلل الدكتاتورية منع الحكومات التونسية، التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة، من محاربة المهربين واجتثاثهم. فالخوف، على سبيل المثال، من ردود أفعال اجتماعية، أكره الدولة على الخضوع لتجار الألبسة المستعملة، خاصة الجلدية منها. ومنعها من وضع حد للتجارة الموازية، التي تعادل حسب التقديرات نصف اقتصاد البلاد تقريبا، وأنهكت الاقتصاد وأوقعته في عجز تجاري كبير.

نفس تلك المخاوف، حالت دون رفع الدعم الحكومي عن مواد غذائية ومشتقات نفطية، أرهقت ميزانية الدولة، رغم أن المستفيد من الدعم، في الدرجة الأولى، هم الأثرياء قبل الفقراء.

التهرب الضريبي، هو الآخر مظهر من مظاهر الداء الذي وجب التخلص منه، فمعظم أصحاب المهن، ومن بينهم الأطباء والمحامون والمهندسون والمحاسبون، يجدون ألف طريقة للتهرب الضريبي. بينما تقتطع من الموظفين المحدودي الدخل قيمة الضرائب بشكل آلي.

هذه الإجراءات، وغيرها، تحتاج إلى كي أو بتر اقتصادي، لا يقوم به إلا جراح قوي القلب، تسنده وتدعمه مؤسسات قوية؛ إنه إجراء يحتاج إلى دكتاتور عادل يفرض القانون بقوة القانون.