د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
سنغافورة وعدن بين انتكاسة الأمس ونهضة اليوم !! (2-2)
قد يكون الاستعمار البريطاني هو القاسم المشترك بين كل من سنغافورة وعدن
ولكن هناك فرق كبير واختلاف بينهما من حيث العمق الحضاري والتاريخ العربي المشترك والتركيبة السكانية والمحيط الإقليمي ،إلى جانب ذلك كله هناك اختلاف كبير في المساحة والجغرافيا ..كل ذلك تتفرد به عدن ولا مقارنة بينها وبين سنغافورة وقد أولت بريطانيا عدن عناية فائقة لربط مستعمراتها في آسيا والهند وأنشأت فيها
- تم إنشاء أول غرفه تـجارية في الجزيرة العربية شكلت في عـــــــــــدن تحديدا فـــي 26 أغسطس 1886م.
أول مـلـعب لكـرة الـقـدم فــي الجزيرة العربية تم
إنشاءه في عـــدن بـمـديـنة الـمعلا عـام 1890
ساعة بيج بن عدن هي ثاني أكبر ساعة في العالم الذي تم تشييدها في عام
1890م
فــي عـــــــدن أسـس أول بنــك فـــي الشرق الأوسط
أول نـادي رياضي فـي الـجـزيـرة العربيــة كـان فـي عدن عام 1905م
في عدن أقيم أول معرض للـطــيـران الـحـربي في الشرق الأوسط وأن أول رحلة طيران تحديدا إلى عدن كانت في يونيو 1916م
في عــدن هبطت أول طـائرة مدنية على أرض الجزيرة العربية كانت في
عــام 1919م
في الـجـزيـرة الـعـربـيـة صدرت أول صـحـيـفة عربية في عـدن وهي
صــحــيــفــة فـــتـــاة الــجــزيــرة بتاريخ / 1 يناير 1940م
أول شركة طيران مدنية في الشرق الأوسط كـانت في عــدن كانت في
عـــــــــام 1941 م
.
تم تشكيل أول نقابة عمالية في الجزيرة العربية كان
للنجارين في عدن عام 1948م
أول مؤتمر عمالي في الجزيرة العربية تأسس في عدن
عام 1956م أول صحيفة باللغة الانجليزية في الـجـزيرة العربية صدرت في عــدن
في الخمسينات
مـيـنـاء عــدن كان ينافس على المرتبة الثالثـة فــي الـــعــالــم بــعـد-
مــيـنـاء نـيـويــورك ومـيـنـاء ليـفـربـول في الـخـمـسـيـنـات في عـــدن بمنطقة المعلا كان فيها أطول شارع في الــشرق الأوسط
منذ الخـمـسينات
في عــدن كانت منطقة التواهي هي أهم منطقة اقتصادية في الشرق
الأوسط منذ الخمسيـنات
في عــدن وجــد أول مسرح وأول دار عرض سينمائي وأول شــركة
إنتاج للاسطوانات على أرض الجزيرة العربية في الخمسينات
مطار عــدن عــالميــا كــان يقارن بمـطـار طـوكـيو من حيث حـركـة
الـطيران ( أغـسـطـس 1962م استقبل مطار طوكيو 1060 طائرة وأستقبل مطار عـــــدن 1040 طــائرة )
في عـــدن تم افتتاح أول مـحـطـة تــلـفـزيـونـيـة فــي الجــزيــرة الـعـربـيـة عــــام 1964م
وفي الوقت نفسه تغيرت السياسة البريطانية بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر
- عام 1956م.
- قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م الوجود المصري في اليمن وتشجيع التمرد القبلي في الجنوب ضد بريطانيا وحكومة الاتحاد.
- عدم اتفاق سلاطين المحميات الغربية على رئيس واحد للاتحاد وانسحاب السلطان الفضلي من مؤتمر لندن ولجوئه إلى القاهرة ثم لحق به الأمير جعبل بن حسين العوذلي .
- بقاء سلطنات الكثيري والقعيطي والمهرة خارج الاتحاد ورفضها الانضمام إليه .
- ضعف الإمكانات المادية لحكومة الاتحاد .
- اختلاف التوجهات السياسية وولاء الأحزاب الجنوبية وارتهانها للخارج .
- سيطرة العمالة اليمنية الموجودة في عدن على النقابات والتسلل إلى الأحزاب السياسية الجنوبية والتي بلغ تعداد تلك العمالة في عدن وحدها أكثر من 80 ألف عامل .
-التحاق الضباط الجنوبيين سرا بالجبهة القومية بعلم وترتيب المخابرات البريطانية .
-الترويج ليمننة الجنوب العربي وإعادة تسميته بالجنوب اليمني وقد تبنت تلك التسمية أغلب الأحزاب الجنوبية ما عدى رابطة الجنوب العربي .
عانت عدن في تلك الفترة من عقد الستينات من البدو الذين يدخلونها إما بالمصادفة أو عابرين فيضطرون للتوطن فيها خضوعاً لضرورات خاصة خارجة عن إرادتهم فيحتفظون في أعماقهم بتراث قديم يضمره البدوي عادة لأي مدينة قديمة لها هالة وسحر خاص فيظن أنها تحتقره وتستخف بوجوده فينتظر اللحظة المواتية ليشفي غليله منها.
وعانت عدن من القادمين إليها من مناطق الجبال في اليمن وكذلك من المحميات فدخلوها - غزاة فاتحين- من المناطق الجبلية وهم لا يعرفون عنها سوى أنها دجاجة تبيض ذهباً أو خزانة للدر والمرجان أو تمثالا لآلهة وثنية ينبغي أن يهدم فيسعي الغازي البدوي لهزيمتها استجابة لرغباته أما إذا عجز عن كل ذلك فيضرم فيها الفوضى والنيران ولكن شر ما تعرضت له مدينة عدن ذلك التواطؤ الشاذ الذي يقع نادراً بين الخصوم - والبدوي الذي ارتدى ملابس المدينة واحتفظ في داخلها بحرابة وخناجره ليشهرها في الوقت المناسب
البريطانيون الذين دخلوا عدن عبر قلعة صيره عام (1839) ليجعلوا منها حلقة وصل بين مفاصل الامبراطوية في الهند وشرق أفريقيا والجزيرة والخليج العربي قد سحرتهم بساحلها الذهبي وشواطئها الحالمة في البريقة وأبين والتقاطع الذي لا نظير له بين السهل والبحر والجبل في خليج صغير عبارة عن لسان بري يمتد إلي حلق المحيط الهندي ولتأتي في المكان الثاني بعد نيويورك كميناء دولي.
ولم يكتف البريطانيون بمحاولة تخليق هوية عدنية منبته الأصول لا علاقة لها بالذات والوجود اليمني ولكنهم بذلوا جهداً دءوبا لتخليق مواطن عدني من طراز فريد مزيج من العامل والشرطي الصومالي الذي وقع عليه الاختيار البريطاني ليقوم بدور الجلاد في المستعمرة والهندي البنياني والهندوسي والاسماعيلي الذي ينتمي إلي طائفة البهره المغلقة والأثيوبي المهاجر والفارسي الوثني التائه واليهودي المقيم إضافة إلي أولئك الذين تلقي بهم الشواطئ عادة فيتحولون من شذاذ آفاق إلي مواطنين صالحين كما حدث في جبل طارق ومالطا والولايات المتحدة أيضا ومع ذلك فقد عجز البريطانيون فصل الدم واللحمة العربية .
دخل المستعمرون البريطانيون في مساومات ماكرة مع الأئمة الزيود في اليمن تقوم على مقايضة يتنازل فيها الأئمة عن عدن نهائياً لتصبح خالصة وجزءاً من التاج البريطاني في مقابل أن تتخلي فيها بريطانيا عن طموحاتها ومشاغباتها في كل اجزاء اليمن الأخرى ابتداء من دار سعد الضاحية العدنية للائمة.
دخلت الجبهة القومية عدن وقضت على جبهة التحرير وعلى كل المدنيين الآخرين الذين تخلوا عن طيب خاطر عن مناطقهم وقبائلهم ولكنهم لم يتحمسوا لأطروحاتها وتخلت الجبهة القومية كذلك عن تراث عدن ولم تحتمل حملتها لمجرد أن هؤلاء أو أولئك يختلفون معها في الرأي أو الأسلوب أو المنهج أو التصورات فهاجرت الخبرات ورؤوس الأموال والعلاقات الليبرالية وعقلانية المدينة التي تكونت في قرن وثلث من الزمان . ولكنها لم تعترف بالوطني الآخر إلا عبر طرائقها وتمائمها وداخل تنظيمها ولم تكن على وعي تام بان تفريغ عدن من تراثها الليبرالي سيفتح الباب في وقت لاحق ليدخل منه الأصوليون وكل من يضمر عداء للعقلانية والمعرفة المفتوحة والعلم التجريبي.
لقد كان المنتظر من الجبهة القومية التي تشكلت من حركة القوميين العرب والاتحاد الديمقراطي الشعبي وحزب الطليعة أن تتحول إلي أحزاب سياسية وان تسمح للأحزاب الأخرى أن تنهض لتزاول نشاطها وان تتمتع بوجودها السياسي والتنظيمي ولكن الذي حدث كان على النقيض من ذلك أن أغلقت كل المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلي الديمقراطية التعددية والتعايش مع الأحزاب الأخرى باندماج في ما أطلقت عليه التنظيم السياسي الموحد في فبراير 1975 الذي شكل فيما بعد الحزب الاشتراكي اليمني 1977والذي أصبح بوتقة جامعة للأمن ، والجيش ، والمليشيات والحزب مهيمنا على المجتمع ، والتجارة والاقتصاد والفكر في واحدية لا تقبل التفريق أو التجريد، وكان لابد أن تنتقل كل نزاعات المناطق والقبائل والجماعات والأفراد إلى داخل الحزب الذي أضحى كالقطة التي تأكل بنيها كل لحظة وأخرى... وأخيرا وليس آخرا وحينما فشلت الوحدة لاستبعاد الحوار واعتماد القتال دخلها الذين تحدثوا عنها كعزيزة وغالية وتحدثوا إليها كسبية وجارية .
يبدو أن مأساة عدن هي مأساة التنظيم السياسي الموحد قبل الوحدة وبعد الوحدة ثم الرفض المبطن للتعددية القائمة على التداول السلمي للسلطة ولكن هيهات والسؤال هو:. هل تقاد اليمن مرة أخرى إلى دورة العنف الدموية ؟ والجواب هو نعم أنها حرب طاحنة ولا زالت تجر أذيالها في كل اليمن !!
وفي الختام لا مجال للمقارنة بين سنغافورة وعدن التي أصبحت في الحضيض وسنغافورة تعانق الثريا اليوم !!
وأختم بقول الشاعر فاروق جويده :
قد كـان حلـمي أن يزول الهم عني.. عند بابـك
قد كان حلمي أن أري قبري علي أعتابـك
الملح كفـنني وكان الموج أرحم من عذابـك
ورجعت كـي أرتاح يوما في رحابك
وبخلت يا وطني بقبر يحتويني في ترابك
فبخلت يوما بالسكن
والآن تبخـل بالكفـن
ماذا أصابك يا وطـن
انتهى
د.علوي عمر بن فريد