عبدالوهاب بدرخان يكتب:
اليمن.. لم يعد من "الشرعية" سوى ذكرها في القرارات الدولية
في الأمم المتحدة كما في العواصم العربية والغربية المعنية، تتوقّع المصادر أن تشهد السنة 2020 نهاية حرب اليمن، مستندة إلى معطيات أهمها أن «تحالف دعم الشرعية» بقيادة السعودية أبدى استعدادات ملموسة في هذا السبيل.
كما أن جماعة الحوثي التي بادرت في سبتمبر الماضي إلى اقتراح هدنة توقّفت خلالها عن إطلاق طائرات مسيّرة فوق السعودية، في الوقت نفسه تحاول الاتصالات البعيدة عن الأضواء في مسقط بلورة إجراءات «بناء ثقة» لتسهيل تنفيذ اتفاق ستوكهولم «ديسمبر 2018»، والتمهيد لاستئناف مفاوضات الحل السياسي.
ومنذ ذلك الاتفاق وطوال السنة المنصرمة، تشدّدت القوى الدولية في شروطها للحيلولة دون تصعيد عسكري كالذي حصل إبان معركة الحديدة، وضرورة التركيز على معالجة الوضع الإنساني في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية.
ومعلوم أن الحوثيين سهّلوا التوصّل إلى اتفاق ستوكهولم لهدف واحد هو إجهاض الهجوم على الحديدة، وهو ما حصل، لكنهم لم يتعاونوا في تنفيذ البنود الأخرى، سواء إيصال المساعدات أم تسليم الموانئ للإشراف الأممي أم تبادل إطلاق الأسرى.
وخلال صيف 2019، طرأ ما كان متوقّعاً في عدن، حين اشتبكت قوات الجنوبيين مع قوات الحكومة الشرعية وطردتها من معظم مناطق الجنوب اليمني، وتزامن ذلك مع بداية انسحاب الإمارات مطلع أغسطس من اليمن، ما اضطرّ السعودية إلى الإشراف المباشر على الملف الجنوبي بموجب «اتفاق الرياض»، الذي استغرق التفاوض عليه 3 أشهر قبل توقيعه مطلع نوفمبر.
لكن تنفيذه يتعثّر في أكثر من نقطة، لاسيما «تقاسم السلطة» بين الحكومة والجنوبيين، وحين أعلنت بنود هذا الاتفاق ذهب محللون إلى اعتبار أنه قد يشكّل نواة اتفاق شامل، أي أنه يمكن أن يمهّد لاتفاق مماثل مع الحوثيين، غير أن المسألة تبدو أكثر تعقيداً لأسباب موضوعية.
أهمها أن الحكومة الشرعية التي تمثّل «الدولة» استُضعفت عسكرياً وسياسياً في الصراع الجنوبي، بدليل أنها تجد صعوبة في إقامة مؤسساتها وتسييرها في العاصمة المؤقتة عدن، ومن الطبيعي أن ذلك أثّر على وضعها في الشمال، حيث كان الحوثيون انقلبوا عليها في سيناريو شبيه بما فعله انفصاليو الجنوب.
أصبح هناك إذاً طرفان يناوئان «الدولة»، الحوثي الذي يمضي في تغيير الحقائق على الأرض ليطرح نفسه بديلاً عنها، والجنوبي الذي نال في طيّات «اتفاق الرياض» اعترافاً ضمنياً بإمكان اتفاقه معها على الانفصال لكن بعد هزيمة المشروع الإيراني - الحوثي.
لم تعُد «الدولة» وحكومتها الشرعية موجودة واقعياً إلا في وثائق الأمم المتحدة والقرارات الدولية، وهناك دول عربية وغربية لاتزال مصرّة على يمن موحّد، كما أن هناك دولاً تراجعت ثقتها بأن تتمكّن الحكومة الحالية من استعادة الدولة وشرعيتها، إمّا لقصور في قيادتها أو لأن التغييرات الحاصلة على الأرض تجاوزتها.
أصبحت الوسيلة الوحيدة لـ «إنقاذ» الدولة وشرعيتها في حل سياسي توجد مفاتيحه في أيدي الحوثيين، الذين نجحوا في الاحتفاظ بسيطرتهم على جزء مهم من الجغرافيا اليمنية، لكنهم أخفقوا تماماً في إقامة دولة بديلة.
ليس فقط بسبب الحصار الذي فرض عليهم، بل لأن هناك رفضاً أميركياً ودولياً واسعاً لوجود دولة مرتبطة بالمشروع الإيراني في موقع جيوستراتيجي مهم!.
وإذ يسأل المبعوث الأممي مارتن جريفيثس الحوثيين عما إذا كانوا يريدون محادثات سلام واتفاقاً سياسياً على تقاسم السلطة، فإنهم يسألون بدورهم طهران، التي تعتبر أن 2020 هي سنة انتظار مصير دونالد ترامب في الانتخابات، لتقرّر بعدها أي وجهة تتخذ لسياساتها.