د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

اليمن تتعرض لأكبر تجريف في تاريخها وارثها الحضاري الجنوب (2-2)

تكتسب الآثار في بلد ما قيمتها من كونها نتاج حضارة عريقة أسهمت بنصيب وافر في بناء الحضارة الإنسانية عموماً، إذ تصبح حينئذ تراثاً إنسانياً ينبغي على كل شعوب العالم المشاركة في العناية به والمحافظة عليه. والآثار اليمنية، هي شواهد مادية على فترات حضارة ازدهرت عبر مراحل مختلفة من تاريخ اليمن الذي يمتد لأكثر من أربعة آلاف سنة، ومن أهمها السدود، والقصور، والمعابد، والأسوار، والتماثيل، والمساجد، والقلاع، والحصون، وغيرها.
وتوجد أهم المواقع الأثرية لفترة ما قبل الإسلام في اليمن، في السهول والوديان، وفي أطراف القيعان الجبلية من المرتفعات وقد تركزت معظم تلك الحضارة العريقة في رملة السبعتين في الجنوب ومنها :مملكة قتبان في بيحان، ومملكة أوسان في مرخة، ومملكة حضرموت في شبوة.
ويعود أقدم آثارها إلى ما قبل الألف الأول قبل الميلاد, حضارة جذبت إليها أنظار العالم القديم وأثرت فيه, وقتبان اسم دولة وأرض وقبيلة كانت مثاويها في الأصل فيما يعرف اليوم بمنطقة بيحان (وادي بيحان), ويعتبر وادي حريب الواقع إلى الغرب من بيحان ضمن أراضي مملكة قتبان.وقد اختلف علماء الآثار في تحديد ظهور قتبان ونهايتها بالفترة ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد,
مملكة أوسان
اسم إحدى الممالك اليمنية القديمة, ويرجح أن موطنها الأصلي في وادي مرخة. ويستفاد من نقش صرواح الكبير الذي يذكر أن (الملك المكرب) السبئي كرب إل وتار بن ذمار علي, قد قام بعدة حملات عسكرية داخلية خلال فترة حكمه (القرن السابع قبل الميلاد) وقد شن حربا عنيفة على مناطق أوسان وغيرها من المناطق الجنوبية حتى باب المندب.
مملكة حضرموت
ورد اسم حضرموت في الكتابات المعينية, كما وردت أسماء ملوك حضرموت في كتابات حضرمية. نسبت هذه البلدة إلى حضرموت بن حمير الأصغر فغلب اسم ساكنها). واسم حضرموت في التوراة (حاضر ميت), وقيل سميت بحضرموت بن يقطن بن عامد, وحضرموت بن قحطان, فهو اسم موضع واسم قبيلة..
وقد كانت حضرموت بلاد البخور لأنها كانت مملكة مترامية الأطراف تتوسط بلاد العرب, وتمتد إلى ظفار أعظم المناطق المنتجة للبخور, ولا شك أن مملكة حضرموت في أوج ازدهارها وقوتها أكبر الممالك اليمنية القديمة رقعة, امتدت من مشارق بيحان (قتبان) غرباً إلى حدود عمان شرقاً شاملة ظفار كلها, وامتدت أيضاً عبر البحر إلى جزيرة سقطرى, ويذكر أن مدينة شبوه (العاصمة) تقع في الداخل وأنها محل إقامة الملك, وإليها يجلب اللبان لخزنه, كما أن مدينة قنأ كانت الميناء التجاري لحضرموت. وتقع في أسفل جبل يعرف اليوم باسم (حصن الغراب)).
تهريب الآثار:
, يستفاد من كتاب (المستشرقون وآثار اليمن) بجزأيه لمؤلفه د. محمد با فقيه 1988م أن الشخصية المهمة الذي يرد اسمه في رسائل الكتاب, هو الكونت دي لندبرج أو عمر السويدي (1848 - 1924م) الذي زار اليمن مرات ما بين عام 1882 وعام 1894, وبلغ في إحداها مأرب تحت اسم الشيخ حسين.. ظل تطلعه إلى اختراق المناطق الداخلية مشروعاً على ورق الرسائل التي تبادلها مع أولي الشأن في تلك المناطق: (نصاب ويشبم وبيحان وعدن وسقطرى وقشن والشحر والمكلا وبالحاف وحورة وعرقة وأحور وشقرة)
ومن خلال الرسالة رقم 98/9 بتاريخ 12/4/98م, وهي تشير إلى جلب 11 حملاً من نقوش واضحة عبارة عن أحجار كبيرة وصغيرة, حملها من عدن إلى لندبرج وهي من أرض خورة والعلهين ودمان وأرض العواذل وأرض النخعين. بخمسمائة ورقة مطبوعة (مضغوطة) وأن هناك أحجارا أخرى تقدر بـ 15 حملاً. ومن خلال حفريات المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان في اليمن بين عامي 1950-1952م بقيادة وندل فيلبس, والتي عملت تنقيبات أثرية في بيحان (تمنع, حيد بن عقيل, هجر بن حميد) التابعة لمملكة قتبان,
من قام بنهب الآثار في الجنوب ؟!:
1- الضباط الإنجليز الذين كانوا ينتشرون في المناطق الأثرية وهم الذين تولوا نقلها وبيعها في أسواق لندن وأوروبا.
2- الولاة الأتراك الذين جمعوا ونهبوا أهم الآثار.
3- المستشرقون الأوروبيون الذين كانوا يدعون دراسة التاريخ الحميري وهم يسرقونه مستغلين جهل الناس وحاجتهم للمال لندبرج وبيري.
4- الضباط السياسيون من الانجليز الذين استغلوا علاقاتهم مع الأمراء والسلاطين و المشايخ لنهب الآثار.
وكما ورد في كتاب (تغريب التراث) إن الآثار الحميرية التي نهبت هي من المواقع التالية: بيحان, الظاهر, مسورة, مرخة, العواذل, الروضة, حريب, شبوة. وقد بلغ مجموعها كالأتي :
300 ورقة طبع, 300 حجر حميري, 106 حمل جمل من منطقة العوالق, بالإضافة إلى طبع الآثار على ورق بطريقة الاستمباج, وخلع الحجارة المنقوشة ثم نقلها إلى عدن, وقد تم نقل هذه النقوش بمركب حربي من عدن عام 1898م وتم نقل الأوراق المطبوعة بواسطة البريد من عدن إلى مصر مقر الكونت لندبرج.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد اتخذ مهربوا الآثار وسائل عدة فقد تم
العثور على مجموعة من الآثار المهربة مخبأة بداخل حافلة كانت قادمة من عدن في طريقها إلى تعز، وتبين أن المضبوطات بلغ عددها قرابة 60 قطعة من السيوف والخناجر (الجنابي)، تم العثور عليها بعد عملية تفتيش دقيقة لحمولة الحافلة، حيث كانت مخفية في (كراتين) ومموهة بشكل محكم!!
متحف عدن :
تأسس متحف عدن عام 1930 كأقدم متحف في الجزيرة العربية، وثم توالت بعدها عملية إنشاء المتاحف والاهتمام بالموروث الشعبي في مدينة عدن.
المتحف الوطني للآثار:
يقع المتحف الوطني للآثار في قصر السلطان العبدلي بمدينة كريتر التاريخية، وكان يحتوي حتى العقد المنصرم العديد من القطع الأثرية التاريخية، المتمثلة بألواح وتماثيل رخامية ونقوش وعملات ذهبية وفضية وبرونزية، وتماثيل أخرى من البرونز بالإضافة إلى قطع أثرية تخص "عشيرة ملوك أوسان" التي غادرت المتحف للمشاركة في المعرض الدولي في باريس ضمن فعاليات معهد العالم العربي عام 1997م، وظلت هذه القطع تقريباً تجوب معظم الدول الأوربية، لكن لم يعد من تلك القطع سوى 21 قطعة أثرية نفيسة.!!
وقد كان من بين تلك التحف والحلي (الأوسانية) التي تمثل مملكة أوسان. وكذلك الصور المنحوتة من حجر البلق وغيرها، إضافة إلى قطعتين مهمتين، إحداهما من البرونز والتي تمثل امرأة من شبوة ذات شأن وهي السيدة (براءة)، بالإضافة إلى امرأة من الحجر الجيري، وهي تمثل امرأة ذات شأن من الضالع.إلى جانب ذلك كان يحتوي المتحف الوطني في عدن على عدد من قطع الحلي والفضة النادرة، والأحجار الكريمة، وبعض الأدوات والآلات المختلفة، والأغراض الجلدية والخشبية والفخارية، والأزياء الشعبية اليمنية النادرة، والأسلحة التقليدية كالرماح، وصك من العملات الذهبية النادرة، ونماذج أخرى في عدن خلال فترة الرخاء والازدهار التي عاصرتها المدينة من عصور ومحطات تاريخية مهمة.
سرقة متحف المكلا:
وفي المكلا تمكن مجهولون من سرقة عدد كبير من القطع الأثرية الثمينة والهامة من متحف المكلا الواقع في قصرالسلطان القعيطي بمدينة المكلا، ومن بين المسروقات كرسي العرش السلطاني الذي يمثل أحد الرموز المهمة للدولة القعيطية.
وإلى جانب ذلك تم سرقة متحف الآثار بشكل كامل في مدينة زنجبار محافظة أبين ، كما أقدم مسلحون في وقت سابق على نهب مخزون الآثار بحوطة لحج، وبالمثل تم نهب محتويات متحف السدة بمحافظة إب وسط اليمن. وسرقت 60 ألف مخطوطة قيل أنه قد تم تهريبها إلى بريطانيا!!
وقد ذكرت "الأستاذة نبيهه صالح في مقال له بعنوان ( الانتهاكات التي تعرضت لها معالم عدن الأثرية والتاريخية بعد الوحدة مع اليمن ) فقالت :
لا يختلف اثنان أن الفترة ما بين (1994-2015)، وحتى الآن هي من أصعب الفترات على تاريخ وآثار عدن ، وهي الفترة التي سرق فيها ونهب وزور وحرفت آثار عدن والجنوب كافة بشكل غير مسبوق . والسبب الرئيس في ذلك هو تحقيق الهدف المنشود من قبل سلطات الاحتلال في طمس وتزوير حضارة عدن وإخفاء كل ما يدل على استقلاليتها عن اليمن وتشويه هوية عدن وضمها قسراً إلى باب اليمن . ومن العوامل التي ساعدت على انتهاك معالم عدن بعد الوحدة مع اليمن هو الغياب الأمني الكامل عقب 94م ، إلى جانب أن السلطات التي نهبت وسرقت وساعدت على تدمير معالم عدن هي عصابات مافيا الاتجار بالآثار التابعة للمتنفذين في سلطة الاحتلال (عفاش والإصلاح ), مما استصعب على أهل عدن الاحتكام إلى الخصم للمطالبة بوقف الانتهاك الصارخ . إلى جانب أن أغلب الأماكن الأثرية التاريخية والمعالم الحضرية في عدن لم تسلم من عملية الطمس والتزوير والنهب , كما تعرضت معظم الآثار الإسلامية والمباني التاريخية الأثرية الدينية للطمس الممنهج بحجة التوسعة وتم سرقة مقتنياتها مثل جامع أبان الذي يعد أقدم مسجد في عدن ومن أقدم المساجد الإسلامية في الجزيرة العربية , حيث طمس المعلم نهائياً وسرقة محتوياته كالمحراب التاريخي والأبواب والزخارف التي كانت على النوافذ من فضه وذهب والخشب النادر التي كانت موجودة من عهد الصحابة .كذلك تعرضت دور العبادة لغير المسلمين !!
كما يعد المتحف الحربي الواقع في مديرية كريتر محافظة عدن النموذج المنفرد والتاريخ المتناثر والصورة التي تختزل ملامح حقبة من الزمن ، ليصبح مزاراً يقصده المفتونون والعاشقون للتاريخ اليمني بما يحتويه من توثيق للتاريخ العسكري في اليمن الجنوبي بكل أدواته ومقتنياته الأثرية و بعد الانقلاب الحوثي على شرعية هادي في أيلول 2014 م ، اجتاحت المليشيات الانقلابية عدن وسيطرت على كامل أحيائها، حيث شهدت المدينة حرباً شرسة .
وكان المتحف الحربي أحد المواقع التي تمركز فيها الحوثيون كموقع عسكري تعرض لاحقا لاستهداف صواريخ طيران التحالف العربي التي أحدثت دمارا هائلا في الجزء الغربي من المبنى وأضرارا بالغة في محتوياته الأثرية!!
بعد تحرير عدن تعرض المتحف للنهب والسرقة واختفت كنوزه بلمح البصر!!
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا اليوم هو :هل آثارنا التاريخية المسروقة هي ذاكرتنا المنهوبة والتي جعلت أجيالنا اليوم تبحث عن هويتها وهي قد فقدت ذاكرتها التاريخية حتى أصبحت لا تعرف هويتها الحقيقية ؟!!
وفي الختام أقول :التاريخ يعيد نفسه ويكرر أخطاؤه لضعف ذاكرة الشعوب ، وحين سقطت اسبرطة قال الشاعر اليوناني :
هزمناهم ليس حين غزوناهم ..وإنما حين أنسيناهم تاريخهم!!
د. علوي عمر بن فريد