فاروق يوسف يكتب:

الفنان ليس تاجرا

غالبا ما يكون الفنان الحقيقي مسوّقا فاشلا لأعماله. أما حين تتكلل جهوده في ذلك المجال بالنجاح، فذلك معناه أنه فنان فاشل. معادلة يعرفها كل مَن يعمل في سوق الفن.

فالفنان الحقيقي يفضل أن يكون ضحية على أن يدخل في صفقات غير عادلة لا تنطوي على أي نوع من الإنصاف. يستند في ذلك إلى مرجعية لا يبوح بها وهي كرامته. فما من فنان دخل في لعبة السوق إلاّ وفقد كرامته الشخصية. تلك لعبة لها مَن هو أولى بها.

كان الإسباني سلفادور دالي يوقع في نهاية حياته بضغط من زوجته وفريق أعماله على أوراق بيضاء قيل إنها تتحوّل إلى لوحات يقوم برسمها مقلّدوه. وهو ما ألقى بظلال من الشك على أصالة عدد كبير من أعماله الورقية. لم يكن البخل الذي عُرف به دالي هو السبب بل شيء من الوضاعة الذي شجّع الآخرين على اختراق مناطق الرسام المحرّمة. في حين تعلق المتاحف لوحات رائعة يتم التعريف بها بأنها يمكن أن تكون قد رسمت من قبل فنان ما، ولكن نسبتها إليه ليست مؤكدة. ذلك ما رأيته في ناشيونال غاليري بلندن. هناك لوحة مذهلة تكاد تكون طبق الأصل لأسلوب “فان دايك” غير أن اللوحة التعريفية، تقول
“يمكن أن تكون لفان دايك أو لأحد طلابه”.

بالنسبة للفنان الحقيقي فإن انتساب عمله إليه يساوي انتسابه إلى ذلك العمل. الفنان وعمله يكسب أحدهما من الآخر قوة، هي بمثابة ركيزة وجودية لا يمكن التضحية بها. لذلك فإن فمن الصعب على الفنان أن يكون جزءا من السوق الذي يحوّل قطعة من روحه إلى بضاعة مادية وهو أمر يمكن تفهمه إذا ما غاب الفنان عن المشهد.

لا يصلح الفنان أن يكون تاجرا، فتجارة الأعمال الفنية لها أصولها التي يسعى الفنانون الحقيقيون إلى عدم التعرّف عليها. لديهم ما يغنيهم من رؤى وأفكار. وهم في الأساس لا يرسمون لكي تُباع أعمالهم بل لكي تُرى.