علي قاسم يكتب:

بين الزّعم والوهم.. حزب الله وموقعه الطبيعي

نأمل أن يكون الغبار السياسي، الذي تصاعد مع طرح الرئيس التونسي قيس سعيد اسم إلياس الفخفاخ، لتشكيل الحكومة التونسية، قد هدأ بعض الشيء، بعد مرور يومين من هذا التكليف.

ما من شك أن الأمر حمل الكثير من المفاجآت، ولكن ليس بالضرورة أن تكون تلك المفاجآت سلبية، كما عبرت عن ذلك معظم ردود الأفعال المتسرعة، ونقول إنها متسرعة لأن أغلب المنتقدين للقرار، لم يمنحوا أنفسهم الوقت الكافي للتحليل، والقراءة بين السطور.

يبدو أن الفترة التي أمضاها الفخفاخ وزيرا في حكومة الترويكا متقلدا منصبين سياسيين لعبت دورها.

شارك الفخفاخ حينها في أول حكومة منتخبة بعد الثورة، قادتها الترويكا (ائتلاف بين حركة النهضة الإسلامية، وحزبين علمانيين هما المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) تم تعيينه وزيرا للسياحة في حكومة حمادي الجبالي، ابتداء من ديسمبر 2011 إلى مارس 2013؛ ولتوضيح الصورة نقول إنها مدة لم تتجاوز 14 شهرا.

اختير الفخفاخ في فترة حكم الترويكا ليشغل منصبين وزاريين، ويشغل حاليا منصب رئيس المجلس الوطني لحزب التكتل، وكان مرشحه للانتخابات الرئاسية الماضية

إثر استقالة الجبالي، نهاية فبراير 2013، على وقع اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، اختير الفخفاخ لمنصب وزير المالية بحكومة، علي العريض، بين مارس 2013 ويناير 2014، أي لمدة عام واحد.

في ظرف عادي، يمكن الحكم على أداء أي وزير خلال عام أو أقل من عام، ولكن هل كان الظرف حينها عاديا في تونس؟ بالتأكيد لا.

ماذا يستطيع أن يفعل وزير سياحة في بلد لم يمض على اندلاع الثورة فيه بضعة شهور، ثورة توسعت لتطال جيران يشاركونه حدودا تمتد على طول أكثر من 500 كيلومتر، ووصلت إلى مصر وبلاد الشام؟ حتما لن يستطيع أن يفعل الكثير، حتى ولو جيء للمنصب بأكثر الناس خبرة وكفاءة.

الثورة التونسية كانت وراءها مطالب، على رأسها التشغيل، في بلد قاربت فيه نسبة البطالة 15 بالمئة، وكانت ضعف ذلك أو أكثر بين حاملي الشهادات العليا. حدث ذلك والعالم يشهد أزمة اقتصادية بدأت عام 2008، وتزامن وصولها إلى تونس مع اندلاع الثورة.

واكتوت في تلك الفترة دول أوروبية، عرفت الازدهار حتى وقت قريب، بنار الأزمة الاقتصادية الخانقة، وأوشكت على الإفلاس، لولا العناية الأوروبية التي سارعت لانتشالها من أزمتها. خضعت اليونان والبرتغال وإيطاليا لمطالب وشروط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وكانت من بينها دول لجأت إلى بيع الجنسية مقابل المال.

في هذا المناخ استلم الفخفاخ منصب وزير المالية في تونس، ولمدة لم تتجاوز العام.

البعض ممن ينتقد اليوم اختياره لتشكيل الحكومة، يحمله مسؤولية المبالغة بالتعيينات في الوظائف الحكومية، وفي الوقت نفسه يلومه على خضوعه لمطالب واشتراطات صندوق النقد الدولي.

هل في هذا شيء من المنطق؟ كيف يكون ذلك، والشرط الأساس لصندوق النقد هو تقليص كتلة الأجور؟

رغم الإخفاقات، ما حدث في تونس وفق العالم أجمع، وبالمقارنة مع تطورات الوضع في دول الربيع العربي، لن نقول معجزة، ولكنه مثير حتما للإعجاب.

دعونا نقرأ قرار اختيار الفخفاخ لتشكيل الحكومة من منظار آخر، ونتوقف عن لومه في مهمة ما كان لأحد أن ينجح فيها ذلك الوقت، حتى وإن امتلك أكبر الخبرات وحاز أعظم الكفاءات.

من هذه الزاوية، من هو الرجل الذي اختاره الرئيس التونسي لتشكيل الحكومة؟

هو إلياس الفخفاخ، 48 سنة، قيادي في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. اختاره حزب تحيا تونس (14 نائبا) للمنصب، بعد رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي، الذي طرحت اسمه حركة النهضة صاحبة الأغلبية البرلمانية.

وينتمي الفخفاخ إلى مدينة صفاقس، ثاني المدن التونسية، من حيث الأهمية الاقتصادية؛ ولد فيها عام 1972، وتخرج من المدرسة الوطنية للمهندسين، تخصص هندسة ميكانيكية في عام 1995.

إثر استقالة الجبالي، نهاية فبراير 2013، على وقع اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، اختير الفخفاخ لمنصب وزير المالية بحكومة، علي العريض

سافر إلى فرنسا لمتابعة تحصيله العلمي، حيث نال درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية، من مدرسة “إينسا” بمدينة ليون، وعلى درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة “إيسون”.

وقبل عودته إلى تونس عام 2006، عمل في فرنسا وبولندا، في شركة عالمية للنفط. وتقلد إثر عودته إلى تونس منصب مدير عام شركة “كورتيل” المتخصصة في صناعة مكونات السيارات.بعد ثورة يناير 2011، التي أنهت حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، التحق بحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي قاده رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر.

واختير الفخفاخ في فترة حكم الترويكا ليشغل منصبين وزاريين، ويشغل حاليا منصب رئيس المجلس الوطني لحزب التكتل، وكان مرشحه للانتخابات الرئاسية الماضية، لكنه لم يتمكن من تجاوز الدور الأول من الاستحقاق الرئاسي الذي جرى في منتصف سبتمبر الماضي.

ويتساءل المعارضون لاختيار الفخفاخ، وهو الأقل دعما من الأحزاب بين المرشحين، هل هو أقدرهم؟

قد تثبت الأيام أن اختيار قيس سعيد، المرشح الأقل دعما لتشكيل الحكومة، هو خطوة حكيمة. أما هل أن الفخفاخ أقدرهم؟ فذلك أمر لن نستطيع الحكم عليه بشكل قاطع اليوم، وحدها مياه السياسة ستثبت إن كان الفخفاخ يجيد العوم.

أما الذين باركوا الاختيار فاكتفوا بالقول “طالما اختاره رئيس الدولة، نحن راضون على هذا الاختيار”.