فاروق يوسف يكتب:
شبهة التزوير
رسم النرويجي إدفارد مونخ لوحته “الصرخة” أربع مرات. سرقت واحدة منها أربع مرات. أشك أن اللوحة التي تمت استعادتها حقيقية. ليس ذلك مهما. السؤال هو لِمَ رسم مونخ لوحته أربع مرات كما لو أنه يقلد أصلا ضائعا؟
ذات مرة اعترف لي رسام عراقي كبير أنه قام بإعادة صنع واحدة من لوحاته التي قُدّر لها أن تختفي. لم يكن يفعل ذلك بناء على رغبته بل لأن اللوحة الأصلية كانت قد نالت إعجاب أحدهم من ذوي النفوذ المالي.
كان صاحبي يشعر بالندم لأنه قلّد نفسه بطريقة فجّة. قال لي "غير مرة شعرت بالفشل. الأمر الذي جعلني أفكر بالمشقة التي يعاني منها مزوّرو أعمالي". لم يكن رأيه صحيحا؛ ذلك لأن مزوّري أعماله لن يقعوا تحت سؤال الضمير الأخلاقي والفني.
أعود إلى مونخ الذي رسم لوحته من غير أن يغيّر فيها شيئا. كان يقلّد نفسه بطريقة محكمة كما لو أنه يرسم اللوحة لأول مرة. ما الذي دعاه إلى أن يقوم بذلك الشيء؟ لا بد من أن مونخ كان مضطرا للقيام بذلك.
هي أعظم لوحاته وإن لم تكن كذلك يومها. غير أني أتوقّع أن مونخ كان على يقين من أنه لن يرسم لوحة أعظم منها. لذلك قرّر أن يمتّع نفسه بإعادة رسمها. في كل مرة رسمها حاول أن يجد شيئا مختلفا غير أن النتائج كانت محبطة. فرسام عاش حياة محبطة لا بد أن يعود إلى النتيجة نفسها.
عليك أن تبدأ من جديد. قال لي صاحبي الرسام العراقي “يمكنني أن أميّز ذلك العمل الذي قمت من خلاله بتقليد عمل أصلي باعتباره عملا مزوّرا من بعيد". أفكّر في رسامين لا يبالون وهم يعيدون رسم رسوم سبق وأن رسموها لا لشيء إلّا لأنهم لا يملكون سوى أن يفعلوا ذلك. إنهم يكرّرون ما فعلوه مُعترفين في كل لحظة رسم بأنهم محترفو تزوير. لقد فعلها صاحبي مرة واحدة وندم.