محمد واني يكتب:
المنطقة بين مزاج الرئيس والميليشيات السائبة!
الغزو الاميركي للعراق واسقاط نظامه عام 2003 سهل الطريق لايران في القفز على السلطة من خلال الاحزاب الشيعية الموالية لها وخاصة عندما استلم نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الحكم لدورتين متتاليتين 2006ــ 2014 حيث مكن ايران من التوغل في العمق العراقي والهيمنة على ادق مفاصله ومؤسساته السيادية والاستيلاء على موارده النفطية ورفع الحواجز الحدودية والغاء تأشيرة الدخول بين البلدين وكأنهما بلد واحد وتحت نظام حكم واحد "كونفدرالي"، هذا الانتصار الاستراتيجي الكبير الذي حققته ايران دفعت بالعديد من قادتها الى ان يتفاخروا ببسط سيطرتهم على اربع عواصم عربية (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء) من خلال توابعهم الميليشياوية، فعن طريق الحوثيين في اليمن وصل النفوذ الايراني الى ساحل البحر الاحمر وباب المندب، وعن طريق الميليشيات العراقية و"حزب الله" اللبناني امتد نفوذه الى شواطئ البحر المتوسط.
وكان العراق بموارده النفطية وموقعه الجغرافي الاستراتيجي من اهم هذه البلدان واكثرها استراتيجية لايران، فلولا قدرات العراق المالية الهائلة لما استطاعت ان تمتد في المنطقة وتمول ميليشياتها وتتحمل الحصار المفروض عليها وتقوم باعباء المساعدات اللوجستية والعسكرية للنظام السوري الذي لولا الدعم المالي العراقي له لما استطاع باقتصاده المهلهل ان يقاوم معارضيه لاسابيع وليس لشهور!
واذا اعتبرت الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979 نقطة تحول كبرى بالنسبة للتشيع، فان سقوط بغداد وتولي النظام الطائفي يعتبر نقطة انطلاقة لايران باتجاه تصدير ثورتها الى المنطقة وبسط نفوذها فيها...
ولم يكن عفويا ان تقوم اميركا بتسليم العراق الى ايران على طبق من ذهب، بل عن قصد وسابق تخطيط من اجل؛ مواجهة التنظيمات الارهابية المحسوبة على السنة مثل تنظيم "القاعدة" و"داعش" وبالتالي؛ ادخال المنطقة في صراع طائفي دموي وفوضى عارمة تبدأ ولاتنتهي وفق مشروعها "الفوضى الخلاقة" الذي ارست دعائمه وزيرة الخارجية الاميركية ومستشارتها للامن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الابن كونديليزا رايس التي اعترفت صراحة بأن "غزو بلادها للعراق وأفغانستان لم يكن من اجل نشر الديمقراطية" بل من اجل نشر الفوضى وتخريب بلدان الشرق الاوسط وتهديم انظمتها ومن ثم اعادتها من جديد وفق رؤية ومصالح اميركية وغربية محددة، سرعان ما التقى المشروعان، الاميركي "الفوضى الخلاقة" والايراني "تصدير الثورة" عند نقطة واحدة مشتركة، لذلك سمحت الولايات المتحدة لايران بالتغلغل في العراق والهيمنة عليه ثم تشكيل ميليشاتها التي لا تقل ارهابا ولا دموية من ميليشيا "داعش" ومن ثم ضمها الى هيئة الحشد الشعبي لاعطائها الصفة الرسمية من خلال اقرار البرلمان لنشاطها.
فاذا كان المالكي قد شكل اولى نواة هذه الميليشيات كما اعترف هو بذلك، فان العبادي ولاها شؤون البلاد وساعدها للانخراط في العملية السياسية.
ولم تمض فترة طويلة حتى استولت هذه الميليشيات السائبة على السلطة وتغولت واصبحت لها كتل سياسية في البرلمان ووزراء في الحكومة يتحكمون بالقرارات المصيرية! وتتحدى رئيس الجمهورية وتهدده ولاتحسب للقوى السياسية اي حساب! ولا تأبه لاصوات المتظاهرين الشباب الذين يطالبونها بالتنحي عن السلطة بل تواجههم بالخطف والقتل والاغتيالات، ولا تقف عند هذا الحد بل تتحدى اميركا وتتحرش بقواتها وتهاجم امام سفارتها في بغداد وتهددها عبر تصريحات نارية من قادتها وتطالبها بالخروج من البلاد وتقوم باصدار قرار احادي الجانب من البرلمان ــ لم يحضر جلسته الكرد والسنة ــ يقضي بخروجها من البلاد.
يبدو ان الاميركان قد قبلوا التحدي وقرروا مواجهة تلك الميليشيات بحزم وقوة وازاحتها عن طريق تشكيل حكومة توافقية مستقلة تلبي مطالب الشعب المنتفض ولا تخضع للاملاءات الخارجية، وستشهد الايام القادمة ضغوطا كبيرة اضافية على قادة هذه الميليشيات ومحاصرتهم بالعقوبات ومطاردتهم وتصفيتهم ان اقتضت الحاجة كما جرت مع اثنين من مؤسسيها الكبار وعقليها المدبرين قاسم سليماني وابومهدي المهندس، وقد ينتقلوا فيما بعد الى اليمن او لبنان فيما بعد لتعالج ميليشيا الحوثي و"حزب الله" ايضا، ورغم ان لديهم الان اصرار على قطع دابر الميليشيات التي تعمل لصالح ايران ولكن لا احد يتكهن ماذا يقرروا غدا، كل شيء مرهون بالتطورات السياسية "الميدانية" في المنطقة ومرهون بمزاج رئيسهم المتقلب ترامب!