محمد واني يكتب:

غياب دور الكاتب السياسي في اقليم كردستان

صياغة السياسة في كل دول العالم سواء الديمقراطية او الدكتاتورية تتأثر بشكل او اخر بما يطرحه كتابها من اراء وتحاليل حول الواقع المتغير، فلا يمكن تصور حال مصر عبدالناصر بدون كاتب مثل محمد حسنين هيكل ولا اميركا بدون توماس فريدمان وسيمون هيرش ولا حتى دول الخليج بدون كتاب رأي مرموقين مثل عبدالرحمن الراشد ومحمد الرميحي غيرهم. فهم الصفوة في مجتمعاتهم، لهم مكانتهم وتأثيرهم وارائهم تؤخذ بكثير من الاهتمام في الدوائر السياسية. لهم علاقة مباشرة بصناعة القرارات المصيرية.

الا في اقليم كردستان، فالكاتب السياسي ذو الحضور والنفوذ حالة استثنائية جدا. العلاقة بين السلطة الرسمية والكتاب والصحفيين المستقلين الذين لهم تأثير على الرأي العام الدولي (الاسلامي والعربي بشكل خاص) من خلال كتاباتهم السياسية في الصحف والجرائد العربية المرموقة، معدومة تماما ــ مع انهم قلة قليلة لا تتعدى اصابع يد واحدة ــ لا توجد اي علاقة عمل بينهما. السلطة السياسية في واد وهؤلاء المثقفون في واد اخر، وكأنهما خصمان سياسيان وعدوان لدودان يتربص احدهما بالاخر. المثقفون يشكون دائما من اهمالهم وعدم الاخذ برأيهم في الامور الاستراتيجية التي تهم الاقليم من قبل السلطة القائمة وهم عادة ما يلجؤون الى التذمر حينا والى الهجوم والتراشق الكلامي حينا آخر مع انهما يكملان بعضهما البعض او هكذا يجب ان يكون، ولكنهما ليسا كذلك. وما زال الصراع قائما بينهما كل طرف يحاول ان ينال من الآخر. الكثير من الآراء والمقترحات والاستشارات الاستراتيجية التي قدمها وطرحها المثقفون على اقطاب السلطة لو اخذوها على محمل الجد لحلت الكثير من القضايا الشائكة في الاقليم ولكنهم صموا اذانهم عن سماعهم فظلت الازمات الداخلية والخارجية في تفاقم مستمر ومازالت الهوة بعيدة بين بغداد واربيل والحصار الاقتصادي يشتد تأثيره على المجتمع ولا يوجد اي بصيص امل في انفراج الوضع.

وربما كنت من اكثر الكتاب والمثقفين من نادى وطالب المسؤولين في الاقليم بتبني مشروع استراتيجي غاية في الاهمية، يتعلق بانشاء نواة لمركز البحوث والدراسات السياسية على غرار ماهو موجود في دول العالم، لوضع استراتيجية ثابتة في التخطيط السياسي وكذلك لتأسيس وكالة اعلامية مهمتها معرفة ومراقبة ما يكتب عن الاقليم وسياساته في الوسائل الاعلامية والدوائر السياسية العالمية والعربية ان كان بالسلب او الايجاب لاتخاذ ما يلزم من قرار على ضوئه. ولم اترك وسيلة اعلامية وغير اعلامية لايصال الفكرة الى المسؤولين في الحكومة ولكن ما من مجيب، لا احد يسمعك!

مهما كانت قوة القيادات التاريخية والشخصيات السياسية البارزة في وضع الخطط الاستراتيجية وصياغة القرارات المصيرية، فان التشاور والعمل الجماعي المتقن واعتماد التخصصات في العمل السياسي واخذ اراء المتخصصين الاكفاء اهم اركان الدولة المعاصرة الناجحة. اما الاعتماد على الكفاءة الذاتية والفراسة والاجتهادات الشخصية والمزاجات الحزبية، فانه لا يبني دولة متطورة ولايساعد على اقامة مجتمع قوي وسليم وقد ينسف في اي لحظة كل المكاسب الوطنية التي تحققت منذ سنوات.