فاروق يوسف يكتب:
مرتزقة اردوغان في ليبيا إلى البحر
أصرت بريطانيا على أن يتضمن قرار مجلس الأمن المتعلق بالشأن الليبي عبارة “سحب كل العناصر المسلحة المرتزقة من ليبيا” ولم تعترض روسيا التي امتنعت عن التصويت على القرار.
ذلك التعبير ينطوي على الكثير من التفاؤل في أن يكون القرار جادا. ليبيا في حاجة إلى أن ينظر إليها بطريقة جادة، بمعزل عن مصالح الدول المستفيدة من استمرار الصراع العبثي داخلها.
الليبيون أنفسهم تعبوا. أما عبء التدخل التركي فهو يعد سببا لإرهاق يقع خارج القدرة على التحمل. لقد آن لدورة العنف أن تنتهي وآن لليبيين أن يلتفتوا إلى مصالحهم بعيدا عن الكذب العقائدي.
ولأن أردوغان هو في الأصل كذبة عقائدية، فقد سعت حكومة السراج من خلاله إلى إخراج المسألة الليبية من مكانها الحقيقي لتحولها إلى صراع بين ميليشيات الإخوان المسلمين والجيش الليبي.
قرار مجلس الأمن ينهي تلك المهزلة التي هي مأساة في الوقت نفسه.
صار واضحا بالنسبة للمجتمع الدولي أن المنظمات الإرهابية هي التي تحكم طرابلس وتُعيق تقدم الجيش الليبي، دفاعا عن مصالحها غير السوية. وإذا ما عدنا إلى التدخل التركي فقد كان ذلك التدخل مناسبة للتعريف بأصل المشكلة. ذلك لأن تركيا كانت قد قررت إسناد حكومة السراج لأسباب تتعلق باستمرار تلك المنظمات الإرهابية وبقائها.
لقد لفق أردوغان جيشا من المستضعفين السوريين ليزج بهم في حرب عقائدية كاذبة. تلك هي حرب التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على العالم العربي. وهو ما يجعل دولة قطر في قلب الحدث. فقد تكون هي الجهة لتي موّلت مشروع أردوغان الاستعراضي، الذي عبر من خلاله مياه البحر المتوسط.
مرتزقة أردوغان وجدوا طريقهم أخيرا إلى القرار الدولي. ذلك يمكن اعتباره حدثا سعيدا. تلك هي المرة الأولى التي يعترف العالم فيها بالحقيقة. هناك جيوش من المرتزقة لا همّ لها سوى أن تستمر الحرب. صحيح أن القرار لم يشر إلى تركيا غير أنه أشار إلى صنيعها وهذا هو الأهم.
أعتقد أنها بداية حقيقية للحل.
كل ما فعله غسان سلامة وهو المبعوث الأممي الخاص بليبيا كان لعبا خارج الحلبة. القرار الذي صاغته بريطانيا ووافق عليه مجلس الأمن يضرب على الأوتار الحساسة للقضية. فالمأساة تكمن في طرابلس. هناك حكومة تعتمد في وجودها على ميليشيات مسلحة ذات توجه عقائدي يفتح الباب لدخول المرتزقة القادمين من مختلف الجهات. وكان أردوغان هو مايسترو الحملة المشبوهة التي أريد من خلالها الدفاع عن حكومة تلاحقها وتحوم حولها الشبهات.
لقد سمى القرار المدافعين عن حكومة السراج باسمهم الحقيقي. المرتزقة الذين يجب سحبهم من الحلبة لتخلو ليبيا من أعدائها الأجانب. ذلك أمر صعب في ظل اللعثمة الروسية ومصالح عدد من الدول الأوروبية. ولكن القرار قد يشكل على الأقل بداية لنهج أممي جديد يتجاوز مرحلة غسان سلامة في ذهابه وإيابه العبثي بين أطراف الصراع.
فجأة قرر المجتمع الدولي أن يكون واضحا في معالجة المسألة الليبية.
صار لزاما على أردوغان أن يسحب نفاياته من ليبيا وإلا فإنه سيقف في مواجهة المجتمع الدولي، وهو ما لا أعتقد أن في إمكان تركيا تحمل أعباء ذلك وبالأخص على المستوى الاقتصادي. فغالبا ما تخسر تركيا صراعاتها لأسباب اقتصادية.
لذلك يصعب على الرئيس التركي ألا يخضع للقرار الأممي. فالوقت لا يمر لصالحه بعد أن افتضح أمره على مستوى تكريس البعد العقائدي وتدويل الحرب الليبية بطريقة تخدم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ومن حوله من الأفاقين والمحتالين وتجار السلاح وممولي الحروب.
تأخر المجتمع الدولي في الالتفات إلى المسألة الليبية بطريقة إنسانية حين وضعها بين يدي غسان سلامة. غير أن تدخل أردوغان علق الجرس في رقبة المجتمع الدولي وكان ذلك حدثا مهما انتبه من خلاله العالم إلى أن الإنسانية في خطر بعد أن صارت قضاياها تُدار من قبل زعماء المرتزقة.