فاروق يوسف يكتب:
الغزال الشارد
ما من شيء موضوعي في الرسم. الرسم فعل ذاتي وحين يكون فعلا موضوعيا فإنه يتخلى عن كونه فنا. هناك رسوم نراها في الإعلانات وهناك رسّامون يعرضون خدماتهم في الشوارع.
الرسم مطلوب لغايات كثيرة. هناك آلاف الرسامين يعملون في دور الأزياء والمجلات وشركات العمارة وأسواق الاستثمار. ولكن الخدمات التي يقدّمها هؤلاء لا تمت إلى الرسم الحقيقي بصلة.
تبيع شركة “إكيا” السويدية في مختلف فروعها المنتشرة حول العالم لوحات تجريدية أصلية ممهورة بتوقيعات رساميها بأبخس الأثمان. هي أعمال جميلة، لكن في إمكان أيّ طابعة ذكية أن تستنسخ صورا تشبهها بكل يسر.
إنها لوحات مخصّصة للتزيين وليس للعرض. رسّاموها لا يفكّرون في عرضها في الصالات أو المتاحف العالمية، فهم مجرد أدوات في خدمة نظام استهلاكي سمح له توسّعه بأن يضم الفن إلى قائمة مواده. وليس من باب السخرية القول “إن رسامي إكيا، هم أفضل أداء من الكثير من الرسامين العرب”، وهي حقيقة ينبغي النظر إليها بقدر هائل من التمعّن.
ما ينقصنا في ذلك أن حضور النقد الفني لم يكن واضحا وقويا بحيث يضع كل شيء في مكانه. فالكثير من المحاولات الفنية ما هي إلاّ نتيجة تلصّص على تجارب الآخرين، كما أن هناك فنانين ينتجون أعمالا بالجملة، يشبه بعضها البعض الآخر كما لو أنهم يملأون حمولة، والأخطر من ذلك كله أن هناك مَن لا يزال يضحك على الشعب بالفن الواقعي. كذبة تجرّ إلى أخرى.
بصراحة يمكن القول إن ما صرنا نراه في المعارض العربية لا يمكن تصنيفه إلّا باعتباره فنَّ طلابِ مدارس من غير المؤهلين فنيا. وهو ما لم يجرؤ على قوله الكثيرون إلّا همسا، خشية أن تسمعهم المؤسسات الفنية التي تفتقد إلى الضوابط بسبب الجهل المنتشر بين صفوف موظفيها. وما من شيء يوقف ذلك الانحدار سوى تخلي الفنانين عن تلك المؤسّسة والعودة إلى الرسم باعتباره غزالا شاردا في بريّة لا حدود لها