فاروق يوسف يكتب:

دولة الحرس الثوري في مواجهة العالم

“التصويت واجب ديني.. سيضمن أيضا المصالح الوطنية لإيران.. أدعو الإيرانيين إلى التصويت مبكرا”. بهذه الكلمات مهّد المرشد الأعلى علي خامنئي للانتخابات التشريعية التي شهدتها بلاده.

وبالرغم من أن الانتخابات تعد إجراء مدنيا، القصد منه تداول السلطة سلميا بناء على إرادة الشعب فإن رجلا مثل خامنئي، وهو الذي يملك سلطة القرار الأخير في النظام، لا يمكنه سوى أن يضفي عليها طابعا دينيا.

ذلك ما يمكن تفهمه غير أن ما لا يُفهم أن يتوزع سياسيو الحكم الملتفون حول خامنئي بين فريقين. إصلاحي معتدل ومحافظ متشدد في ظل سلطة مطلقة، لا تمتّ بصلة إلى التفكير الديمقراطي.

لقد سبق للإصلاحيين والمحافظين أن تبادلوا السلطة من غير أن يحدث ذلك التبادل أي تحول يُذكر في حياة الإيرانيين. فالإصلاحي محمد خاتمي كان مقيد الصلاحيات، فيما كان أحمدي نجاد يبدو أكثر حرية، غير أن الاثنين كانا لا يفعلان إلا ما ينسجم مع توجيهات الولي الفقيه. صنعت جمهورية الملالي ديمقراطيتها في إطار الواجب الديني.

وإذا ما كان زمن الإصلاحي حسن روحاني قد شهد انفتاحا على العالم من خلال الاتفاق النووي الذي وُقّع مع الدول الكبرى، فإن ذلك الزمن شهد أيضا إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران وهو ما سمح للمتشددين بأن يؤكدوا صواب نظريتهم المبنية على قاعدة عداء الغرب لإيران بغض النظر عمَن يحكمها أو الطريقة التي تُحكم من خلالها.

هناك قراءة إيرانية لا علاقة لها بموقف إيران السلبي من محيطها الإقليمي ومن العالم الخارجي. فالمحافظون الذين يعتبرون أنفسهم الأقرب إلى خط الإمام الخميني ينظرون بعين الشك إلى الإصلاحيين، الذين لا يقلون عنهم تمسكا بذلك الخط الذي يدعو إلى فرض الوصاية على شيعة العالم العربي والتدخل في شؤون الدول التي هم مواطنوها.

اليوم إذا يقترب المحافظون من خلال مرشحي الحرس الثوري من السلطة ستبدو فكرة تداول الحكم باعتبارها جزءا من مرحلة تجريبية لم يعد الاستمرار فيها ممكنا. فالإصلاحيون ورطوا إيران في حوار عقيم مع الغرب.

ما يجمع عليه المتشددون في ذروة صعود الحرس الثوري سياسيا أن بإمكان إيران أن تفعل ما تراه مناسبا لسياستها العقائدية. وهي لا تحتاج إلى اتفاقات تقيد حركتها. ما يملكه الحرس الثوري من علاقات بالمافيا الدولية يمكن أن يقلل من تأثير العقوبات الأميركية، وبالأخص على مستوى التحويلات المالية.

تلك قناعة إيرانية هي خلاصة تجربة طويلة ومعقدة في العمل مع العصابات المتخصصة في خرق القانون الدولي والتحايل عليه. فإيران في كل الأحوال إنما توظف سفاراتها ومصارفها ومراكزها الثقافية وقوى الضغط التابعة لها في خدمة ممارسات غير قانونية.

كل ذلك لا يمنع من القول إن إيران ستخسر كثيرا في ظل صعود الحرس الثوري وتكريسه قوة سياسية حاكمة. فإذا افترضنا أن العقوبات الأميركية سيجري تخفيضها وهو أمر غير متوقع، فإن العقوبات المفروضة على الحرس ستظل صارمة. وهو ما يعني أن إيران لن تربح شيئا.

ليس من المستبعد أن يكون استيلاء الحرس الثوري على السلطة سببا في فرض عقوبات جديدة. ذلك لا يمنع طبعا من أن يستمر النظام الإيراني في سخريته من مصيره ما دام هناك واجب ديني يحتم على الإيرانيين أن ينصاعوا لنتائج انتخابات، أكدت أطراف دولية عديدة عدم نزاهتها.

خسر الإصلاحيون الانتخابات. إيران لم تخسر شيئا. ربح المحافظون الانتخابات. إيران لم تربح شيئا. فالسلطة، كل السلطة، تظل وستبقى في يد المرشد الأعلى. الأوروبيون يعرفون ذلك. الأميركان قبلهم يدركون أن الإصلاحيين الذين تعاملوا معهم ما هم إلا كومبارس الكوميديا الإيرانية التي تظهر مؤقتا لكي تسلم أمرها في ما بعد إلى تراجيديا محكمة كان أحمدي نجاد أحد رموزها.

لا يمكن التعرف على حقيقة النظام الإيراني إلا من خلال حكم المتشددين.

في هذه الحقبة المليئة بالأزمات اختار النظام الإيراني أن يكون مخلصا لنفسه. فهو نظام إرهابي لا يؤمن بالقانون الدولي ولا بميثاق الأمم المتحدة ولا بحقوق الإنسان. إنه نظام عائد بطبعه إلى زمن الغابة. وما على المجتمع الدولي سوى أن يتعامل مع تلك الخلاصة.