فاروق يوسف يكتب:

إما لبنان وإما حزب الله

نحن الآن في عام 2020 ولسنا في عام 2000. عشرون سنة تفصل بين التاريخين. بعيدا عن الأسرار التي لم يُكشف عنها فقد أنجز حزب الله انتصارا تاريخيا على إسرائيل عام 2000.

تجلى ذلك النصر من خلال استعادة لبنان لأراضيه الجنوبية المحتلة من قبل الدولة العبرية. يومها ارتفعت أسهم حزب الله، وصار عنوانا لكرامة الإنسان اللبناني المقاوم الذي نجح في استرداد حقه بالقوة.

كان ذلك حدثا دعائيا عظيما. عبر اللبنانيون عن احتفائهم به حين التفوا حول حزب الله في حرب 2006 التي خسرها بطريقة مزرية ومذلة.

لم يخذل اللبنانيون الحزب الذي وضع بلادهم على طاولة التشريح من خلال مغامرة، كان الفشل مقدرا لها منذ قبل البدء بها.

كان ثمن تلك الحرب باهظا. لقد دمرت إسرائيل الجزء الأكبر من البنية التحتية للبنان، وشردت مئات الآلاف من شعبه بعد أن هدمت منازلهم. بلع اللبنانيون يومها الألم تقديرا لما أنجزه الحزب عام 2000.

ولكن ذلك الحزب لم يكن مقتنعا بردة فعل اللبنانيين تلك فقرر أن يلقنهم درسا لن يُنسى عام 2008. يومها احتل مسلحو حزب الله بيروت.

كانت تلك لحظة الفراق. بعدها لم يعد هناك اتفاق بين الطرفين على الوقوف على أرضية واحدة هي المقاومة. بالنسبة لحسن نصرالله فإن المقاومين كانوا جنودا لدى الولي الفقيه في إيران، وبالنسبة للبنانيين صار حزب الله ممثلا لقوة الاحتلال الإيراني. هكذا انتهى مفهوم المقاومة لدى الطرفين.

لقد تبين أن هناك خطأ قد وقع في قراءة الإحداثيات.

فحزب الله، حين حقق انتصاره الملغوم على إسرائيل، كان يسعى في اتجاه هدف الاستيلاء على لبنان وهو ما نجح فيه بعد أكثر من عشر سنوات. أما الشعب اللبناني فقد ضللته دعاية أن يستعيدَ بلده عددا من القرى الجنوبية ليجد نفسه في النهاية مضطرا لفقدان لبنان كاملا. كذبة المقاومة ألهتْ اللبنانيين عن التفكير في خطر السلاح غير الشرعي.

اليوم يفكر اللبناني بطريقة تدعو إلى الأسى.

عام 2000 كانت إسرائيل تحتل عددا من القرى الجنوبية أما لبنان، نفسه، فقد كان دولة مستقلة حرة في اتخاذ قراراتها السياسية. وكانت الطوائف تتنافس في تقديم أفضل ما لديها في سباق لم يكن طبيعيا إلا قياسا لما كان عليه الحال في لبنان.

اليوم ونحن في عام 2020 يحتل حزب الله لبنان ممثلا لإيران، فلا تعرف الدولة يمينها من يسارها إلا من خلال إملاءاته، فيما يتعرض وضعه الاقتصادي للانهيار بسبب تفشي الفساد وقيام نظام مصرفي يخدم عمليات تبييض الأموال والتهريب التي يقوم بها حزب الله.

بالمقارنة بين التاريخين يمكنني القول إن لبنان كان أفضل قبل عام 2000. كانت تكلفة تحرير قرى الجنوب باهظة بطريقة لا يمكن توقعها. وأنا على يقين من أن هناك من اللبنانيين مَن يتمنى لو أن تلك القرى بقيت تحت الاحتلال ولم يؤدّ تحريرها إلى خسارة لبنان كله.

كان الدرس قاسيا.

لقد غنّى اللبنانيون من أجل الجنوب المحرر، غير أنهم لن يتمكنوا من البكاء على لبنانهم المحتل. فحزب الله أمسك بحناجرهم وهناك قناصوه جاهزون للتعامل معهم بصمت.

الأزمة اللبنانية هي تعبير ملطف عن محنة تاريخية.

فحزب الله وهو تنظيم مسلح صار بمثابة دولة، وهو إذ يحكم الدولة اللبنانية بقوة السلاح الإيراني فإنه يضع لبنان على الجبهة في القتال مع إيران ضد خصومها. وهكذا صار لبنان منذورا للحرب رغم أنفه. وبالرغم من احتجاجات اللبنانيين فإن حزب الله لا يملك ما يقدمه للبنانيين سوى أن يخضعوا. ما الحل إذن؟

لطالما طالب اللبنانيون بنزع سلاح حزب الله. اليوم لم تعد الحياة في لبنان ممكنة بوجود ذلك الحزب. فإما لبنان وإما حزب الله. قد يكون الانهيار المالي بداية لشق الطريق إلى الحل.