فاروق يوسف يكتب:
الحرب التي لا تنتهي
بعد أيام تدخل الحرب السورية عامها العاشر، من غير أن تلوح في الأفق مؤشرات لقرب انتهائها، إذا لم نقل إن التصعيد التركي الأخير قد زاد المشهد ضبابية بحيث أن روسيا بكل ما تملك من ثقل ميداني لا تجد حتى اللحظة وسيلة لدفع أردوغان إلى أن يضبط تدخله في تلك الحرب عند الحدود التي يضمن من خلالها سلامة الأراضي التركية.
قد لا يكون اتفاق وقف إطلاق النار الأخير إلا حلقة جديدة من حلقات لعبة جرّ الحبل، التي يراهن الرئيس التركي على نجاحه في الاستثمار فيها.
وإذا ما كانت إدلب قد شكلت العقدة الظاهرة للحكومة السورية، فإن هناك جيوبا كثيرة لا تزال تقع خارج سيطرتها، ومنها ما هو قريب من دمشق مثل درعا. غير أن استعادة إدلب هي أكثر أهمية من إعادة السيطرة على تلك الجيوب المحاصرة التي تعتبر ساقطة بالمقياس العسكري ولا يحتاج الدخول إليها إلا لتفاهمات يمكن التوصل إليها من غير اللجوء إلى العنف.
من المؤكد أن أردوغان يحارب في إدلب من أجل استمرار الحرب في سوريا، حتى بعد أن بلغت تلك الحرب ذروة عبثيتها مع انفضاض التجمعات المعارضة وانسحاب الكثيرين منها وتوقف تمويلها.
ومن السذاجة تصديق ادعاءات أردوغان في ما يتعلق بموجات اللاجئين السوريين، التي يمكن أن تجتاح بلاده بسبب تقدم القوات النظامية في إدلب. تلك شعارات كشف زيفها الابتزاز التركي لأوروبا من خلال الحملات المنظمة، التي قامت بها الأجهزة الرسمية التركية لحث اللاجئين السوريين على اقتحام الحدود اليونانية.
يمثل أردوغان في إدلب دور البطل في الحلقة الأخيرة من مسلسل “حرب لا تنتهي” وهو مسلسل ساهمت في أداء أدوار البطولة في حلقاته السابقة دول ومنظمات وجماعات وشركات أمنية، اتضح في ما بعد أن الشعب السوري هو آخر ما تفكر فيه، وأن الهدف الأساس من مشاركتها في ذلك المسلسل إنما يكمن في الدفع بسوريا إلى أن تكون أسيرة متاهة لن تخرج منها.
ولأن سوريا اليوم بعد أن تم تهديمها، لم تعد موضوعا ملحا بالنسبة إلى الكثيرين فقد أداروا لها ظهورهم بعد أن كلفوا أردوغان بإدارة الملف بما يعطل قدرة الجيش السوري على التقدم وبما يعكر صفو المزاج الروسي.
أردوغان، الذي يبتز الأوروبيين باللاجئين السوريين من أجل أن يفتحوا له خزائنهم مرة أخرى، لم يقم بأداء دوره في إدلب إلا بعد أن استلم مكافآت مجزية من دول عدة، لا تزال تحلم بأن تعيد الإخوان المسلمين إلى الواجهة في حرب سبق لهم أن خسروها.
غير أن الثابت هو أن الإخواني المخضرم أردوغان لا يمكن أن يتحرك في خدمة قضية الإخوان من غير تمويل. فالارتباط العقائدي لا ينفي حقيقة أن الرئيس التركي نفعي بطبعه وهو يعرف أن الجهة التي يخدمها ثرية إلى الدرجة التي تتمكن بها من تحمل تكاليف الحرب، من غير أن تثقل تلك التكاليف على الاقتصاد التركي في شيء.
وهكذا فإن المعادلات التي يعمل أردوغان وفقها لا علاقة لها، لا من بعيد ولا من قريب بمصير الشعب السوري ومصير العالقين منه في المناطق الخطرة أو بين الحدود أو على السواحل في انتظار قوارب الموت.
فالرجل يعمل في خدمة مشروع، سبق لقوى وأطراف عالمية مؤثرة أن ساهمت فيه ولا يزال بعضها لم يعلن عن موقف حاسم في شأن إنهاء تلك المساهمة بشكل كلي، كما هو حال الولايات المتحدة التي تجد في مغامرات أردوغان المتكررة محاولة لاستفزاز وإنهاك روسيا في سوريا.
لذلك فإن أردوغان حين ينصت إلى دعوات ضبط النفس، الصادرة من هذا الطرف أو ذاك، يدرك في أعماق نفسه أنها ليست دعوات صادقة. هناك مَن لا يزال يرغب في أن تكون الحرب السورية مفتوحة النهايات. أي أن تستمر إلى ما لا نهاية.
لذلك فإن أردوغان حتى لو وقع اتفاقا، فإن طمعه في الحصول على المزيد من الأموال في ذلك الاستثمار المأساوي لن يتوقف.
استمرار الحرب في سوريا هي فرصة أردوغان لتمثيل دور البطل الإخواني، الذي هو في حقيقته مجرد قاطع طريق يعمل مأجورا لدى الآخرين.