فاروق يوسف يكتب:

زمن آيات الله المُغمى عليه

تعيش إيران زمنا خاصا بها. هو زمن الملالي وآيات الله والمرجعيات الدينية والأضرحة والمراقد والحسينيات والمسيرات الجنائزية والحرس الثوري والميليشيات المسلحة التابعة له.

ذلك زمن يتحرك لكن إلى الخلف بعكس الزمن الذي تعيشه البشرية جمعاء، بغض النظر عن عقائدها وطرق تفكيرها وبرامجها الاقتصادية ونوع ومستوى علاقتها بالعلم الحديث.

فالبشرية صارت مضطرة إلى الإنصات إلى ما ينفعها ويُسبغُ على حضورها نوعا من المعنى بعد أن ضيعت أزمنة عزيزة في الدفاع عن عقائد تجريدية، لم تكن ترى في الإنسان إلا وسيلة تستعمل لتحقيق غايات معينة، ومن ثم يُبتذل ويتم التخلص منه كما لو أنه نفاية.

وإذ يدير آيات الله المركب الإيراني إلى الوراء فإنهم يخونون طموحات شعب، كان إلى أن فتح الخميني عليهم أبواب جحيمه يتوق إلى أن يكون جزءا من العالم الحر الذي تتمتع شعوبه بالقدرة على إدارة شؤونها في سياق منطق عقلي لا مكان فيه للخرافة.

لقد تم نسف ذلك الواقع لتحلّ الأدعية محل المعادلات الكيماوية، وتكون الحسينيات بديلا للمختبرات العلمية. وكان ذلك مؤشرا خطيرا للعودة إلى زمن الشاهنامة التي لطالما ردد الفرس أبياتا منها، وبالأخص تلك التي تمجد حضورهم في التاريخ وهو حضور لم يكن ذا تأثير ثقافي بدليل أنهم لم يتمكنوا من اختراع أبجدية خاصة بهم فاعتمدوا الأبجدية العربية. ليس ذلك موضوعنا.

إيران التي تكتمت على انتشار فايروس كورونا كانت تأمل أن تكون المعصومة، وهي أخت الإمام الرضا المدفونة في قم، شفيعتها. ولكن هل تصلح المعصومة شفيعة لسكان ووهان الصينية وهم بشر حالهم حال سكان قم الإيرانية؟

واقعيا فإن الصين كانت تكافح الفايروس في حين ظلت إيران نائمة على مخدة خرافتها. ما جرى في إيران في مواجهة فايروس كورونا هو في كل الأحوال فضيحة. لقد ظهر كل شيء على حقيقته. النظام الصحي منهار تماما، كما أن المستشفيات غير مستعدة لاستقبال مرضى من ذلك النوع، ناهيك عن أن فكرة الاعتراف بوجود المرض كانت ممنوعة بل ومحرمة دينيا. لقد كان على المرضى أن يستسلموا للدعاء كما نصحهم الولي الفقيه. لذلك فضل الكثيرون عدم الإفصاح عن إصابتهم بكورونا وواجهوا الموت تحت شعار “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.

ولأن إيران الولي الفقيه قد لفقت زمنها، فإنها تستعمل كل شيء في الدفاع عن ذلك الزمن بما في ذلك الآيات القرآنية. وهو ما جعلها تشكل بؤرة غامضة للفايروس الذي صار شأنا عالميا لن يفيد في القضاء عليه سوى تضامن عالمي.

لقد أصرّت إيران الملالي على أن تضع نفسها خارج ذلك القوس إلى أن فتك الفايروس بكل محافظاتها حسب اعتراف رئيسها حسن روحاني، فصار لزاما عليها أن تعلن عن مشكلتها.

غير أن الإعلان عن المشكلة شيء، ووضعها في سياقها العملي الصحيح شيء آخر. فما لم تقم به إيران حتى هذه اللحظة على مستوى الحد من زيارة الأضرحة والمراقد لن تقوم به في أي وقت قادم.

السر في ذلك يكمن في أنها لا تزال، وستظل، أسيرة زمن الخرافة، وهي لن تغادر ذلك الزمن خشية انهيار نظامها القائم على تسلسل عقائدي وهمي، يسمح لرجال الدين بأن يكونوا ورثة العلم الإلهي على الأرض. في هذه النقطة ستقف إيران وحدها أمام عصف كورونا.

وليس في ذلك ما ينفعها. فالدول اليوم إذ تتعالى على خلافاتها من أجل مكافحة ذلك الفايروس قبل أن يتحول إلى وباء، فإنها تعبر عن تمسكها بالقيم الإنسانية الثابتة التي لا تمحوها الخلافات السياسية. أما إذا كان نظام الملالي في إيران يخشى أن يكون انفتاحه على تلك القيم فاتحة لانهياره وانقضاء زمنه، فإنه بذلك يحول إيران إلى مقبرة كبيرة.