فاروق يوسف يكتب:
لا أحد يبكي على السوريين
يموت السوريون في ليبيا بالعشرات. على اليابسة صاروا يُقتلون هذه المرة بعد أن تحولوا إلى بضاعة حرب تركية.
لا أحد يسأل عنهم ولا أحد يبكي عليهم. هم أرقام محيت. هناك أرقام سورية هي الأخرى ستحل محلها وستُمحى أيضا.
رسا مزاد الخدمة خارج المعنى الإنساني على السوريين بعد أن كانوا في ما مضى أكثر الناس وضوحا في خدمة المعنى الإنساني الواضح.
ينبغي هنا أن نلتفت إلى شعب بأكمله صار معنيا بتصريف ضياعه وحلقات تيهه. فالمتدافعون من السوريين من أجل خدمة أوهام السلطان العثماني ليسوا مجرد أفراد بلهاء سطت عليهم الآلة الاخوانية وجردتهم من عقولهم وجعلتهم أسرى مشروعها الشيطاني.
اردوغان مطمئن إلى أن الموت لن يُخيف السوريين بعد أن وضعهم في مواجهة جدار أصم.
تلك ليست هي المشكلة. ولكن ما الذي يجعل السوريين الشباب يقتنعون بفكرة الموت على أرض هي ليست أرضهم ومن أجل قضية هي ليست قضيتهم؟ سيكون علينا أن نكمل السيناريو الذي ينتهي بموت الأبطال الذين لا تملك وجوههم ملامح محددة. يمكنك أن تعثر على مَن يشبهم في المراقص وفي الأسواق وفي الحانات ببرلين، غير أن سوء الحظ هو من عزلهم عن المستقبل اللاهي وجعلهم أسيري اللحظة الاردوغانية المرعبة.
يعتقد أولئك الشباب أنهم سيبلون بلاء حسنا في حرب لا يعرفون عنها شيئا وليست لهم علاقة بأطرافها. فهم يجهلون جغرافيا تلك الحرب وتاريخها. سيكون عليهم أن يفكروا بطريقة تجريدية وهو ما يناسب قدرتهم على استثمار العقيدة كما لو أنها مصل طبي يمكن الاستعانة به لمعالجة كل داء.
لو لم يكونوا بلهاء وسذجا لفضلوا الفقر والتشرد على موت لا معنى له. موت عبثي سيكون بمثابة علامة استفهام بالنسبة لعوائلهم التي قد لا تعلم عن مصيرهم شيئا. لا نبل ولا رفعة ولا كرامة في أن تدافع عن قضية لا تفهمها ولست جزءا منها. هناك شيء ناقص في ما يفعله السوريون الذين جندهم أردوغان في جيشه. شيء يتعلق بالكرامة والنبل والكبرياء.
من الثابت أن اردوغان لا يفكر في السوريين بطريقة إنسانية. فهو يستعملهم بطريقة وحشية تتنافى مع القوانين الدولية. أولئك أناس ضعفاء، غدر بهم الزمن وصاروا لاجئين فهل يحق استعمالهم كما لو أنهم أدوات في مطبخ، تمتلئ روائحه بالسموم؟
تركيا تنافس إيران في تبنيها مهمة القيام بنشر السموم العقائدية.
فالسلطان العثماني هو مرآة للولي الفقيه. الوجه الآخر للإسلام السياسي. وكان اردوغان صريحا في نفاقه السياسي الذي هو أسلوب الجماعة الاخوانية في اللعب على حبال كثيرة، من غير أن يقع في فخ الرهان على حبل واحد قد ينقطع.
في سياق ذلك اللعب المجنون يمكن التعرف على السوريين الذاهبين إلى الموت في ليبيا باعتبارهم ضحايا عملية التلميع التي يمارسها ارودغان من أجل أن يظهر خليفة لهذا الزمان.
السوريون يموتون.
ذلك حدث ليس جديدا. ولكن هناك فرق ما بين أن يموتوا ليتركوا درسا بليغا في حب الوطن والدف عن قيمه الإنسانية وحرية أبنائه في مستقبل تسود فيه قيم العدالة وبين أن يموتوا باعتبارها مرتزقة، يوظفهم رجل أفسدته أطماعه في شركات أمنية يُقتل أفرادها وهم لا يفكرون بشيء سوى القتل.
مؤلم ذلك المصير الذي انتهى إليه مصير الالاف من الشباب السوريين وهم يسعون إلى الهروب من مصير مجهول لفقته آلة الحرب لهم. لقد أعد لهم اردوغان موتا مؤكدا على أرض غريبة لن تطول غربتهم عليها.
تلك نهاية مأساوية لألم صار السوريون يعتقدون أنه لن يزول.
ذلك درس سيكون على السوريين، موالاة ومعارضة أن يقتنصوا منه الحكمة لئلا يتحول الإذلال إلى عادة.