فاروق يوسف يكتب:

درس من رسام صيني

تركته يجمع أغراضه ويضعها في حقيبته. ذلك الرسام الصيني الذي تعرّفت عليه في أحد شوارع منهاتن ودعوته لتناول الغداء. لم يرفع رأسه إلي وهو يقوم بمهمته.

كان بطيء الحركة وهو يتأمل أشياءه قبل أن يضعها في مكانها المناسب. كنت مضطرا للتلفت بعيدا عن النظر إليه. غير أنني بعد حين أحسست بالضيق. حسب تقديراتي كانت المهمة لا تستغرق إلا دقائق معدودة غير أن صاحبي كان مستغرقا كمَن يصلّي.

“هل أخطأت في دعوته؟ أنا في الشارع ويمكن أن أفرّ منه من غير أن أكون مسؤولا عن ذلك القرار” ضحكت بسبب تفاهة ذلك السؤال. صار عليّ أن أفكر في مصير الغداء مع رجل بمثل ذلك البطء. سيكون عليّ أن أسحب الكلمات من فمه بقوة. تذكرت حينها أن الرسام كان لطيفا وسريع البديهة ومبتسما كل الوقت. وأخيرا رأيته يقفل حقيبته. اقترب منّي وقال بمرح “أنا جاهز”.

ومثلما رأيته أول مرة فقد كان الرجل سريعا في التعبير عن أفكاره وكان متحمسا والأهم أنه كان يعرف بدقة ما يقول. لقد استغرقنا في الحديث عن الفن وكان يبتسم حين أقول فكرة خاطئة من وجهة نظره فيصححها.

ما إن فرغت الصحون حتى بادرته بسؤال خفت أن يكون مزعجا “لمَ تأخرت يا صديقي في جمع أدواتك وهي قليلة؟” نظر إليّ هذه المرة ولم يبتسم.

قال “أنت تعرف يا صديقي أنني أعيش من الرسم. تلك المواد تساعدني على أن أكسب رزقي. لذلك أجد أن من حقها أن لا أخطئ في أن أضعها إلا في المكان الذي يناسبها في الحقيبة. إنها تسكن في حقيبتي منذ زمن طويل. صار لكل واحدة منهن منزلها. لذلك فأنا أحرص على إعادتها إليه بعد الانتهاء من العمل” حينها قلت لنفسي “إن الرجل لقنني درسا عظيما لابد أن أتعلم من خلاله التعامل مع المواد التي استعملها وأحافظ عليها لأنني عن طريقها أعيش حياتي مثلما حلمتها”