فاروق يوسف يكتب:

متى يتخلى رجب الطيب عن أردوغان؟

انتخب الأتراك رجب الطيب رئيسا، غير أن أردوغان يصر على أن يكون خليفة للمسلمين أو سلطانا عثمانيا جديدا.

تَوهّمَ أردوغان أن طموحاته العبثية تلتقي مع أحلام الأمة في استعادة أمجادها من خلال الترميز الديني الذي عثر عليه في مشروع جماعة الإخوان المسلمين. ذلك لم يكن صحيحا.

فالشعب التركي يريد رئيسا يستكمل طريقا مدنيا اختطه مؤسس جمهوريته مصطفى كمال أتاتورك ولا ينقضه.

الشعب التركي يرغب في أن يرى في استمرار نهضته الاقتصادية عنوانا لرخائه، لا فرصة لتعريضه لانتكاسات متتالية بسبب سياسات لا ترى في الواقع إلا مناسبة للقفز إلى هاوية من الهذيان العقائدي.

يشعر الشعب التركي بالحاجة إلى أن يكون جزءا من أوروبا، لذلك يحلم بأن يفكّ ارتباطه بالشرق متأنيا، لتكون تركيا جزءا من الاتحاد الأوروبي من غير ممارسة عمليات ابتزاز تزيد من سعة المسافة التي تفصل بين أوروبا وتركيا.

غير أن أردوغان لم يكن ذلك الرئيس الذي يمكن أن يراهن عليه الأتراك في تحقيق أحلامهم التي هي ليست أحلام أمة بائدة، بل هي أحلام شعب قيْدَ التشكل بالمفهوم الحديث. تركيا الحديثة هي اقتصادها القوي وليس تاريخ سلاطينها.

ذلك أمر هو أشبه بالجنون بالنسبة لأردوغان.

فالرجل الذي اصطدم أخيرا بجدار أوروبا التي رفضت ابتزازه كان يتوهم أن في إمكانه أن يجر أوروبا إلى إدلب، ومن ثم إلى سوريا. ذلك لم يحدث ولن يحدث.

أما حكايته البلهاء عن اللاجئين السوريين الذين سبق له وأن استعملهم في حلب، فإنها لن تكون نافعة. هذه المرة سترد أوروبا بعنف. كان هناك اتفاق سابق وعليك الالتزام به.

لقد مارس أردوغان في حياته السياسية ألعابا كثيرة كشفت عن شخصية المحتال والمخادع الذي يقول شيئا ويفعل ما ينقضه. غير أنه في ظل الفوضى التي عاشها العالم العربي اكتسب شعبية لم يكتسبها داخل بلده.

تلك كانت واحدة من الأكاذيب التي ارتبطت بشخصيته، بحيث صار لا يرى طموحاته إلا من تدخله في الشؤون العربية بدءا من سوريا وانتهاء بليبيا.

من سوء حظ الشعب التركي أن الرجل المكلف بالملف الأوروبي صار صانع أحداث تستفز أوروبا وتجعلها تتشدد في موقفها الرافض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

من وجهة نظر أوروبا فإن شعبا يأتمن رجل مغامرات طائشة مثل أردوغان على مستقبله لا يصلح أن يكون جزءا من فكرة الوحدة الأوروبية القائمة على التنوع بكل ما ينطوي عليه ذلك التنوع من جدل إيجابي.

أردوغان قدّم صورة سيئة للاختلاف.

لقد قالت أوروبا أخيرا كلمتها. هناك رفض قاطع لمسألة التدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وبالأخص في سوريا، كما وضعت أوروبا حدا قاطعا لمسألة اللاجئين السوريين الذين صاروا بالنسبة لأردوغان بضاعة رخيصة يعرضها في المزاد متى يشاء.

هل على الأتراك أن يندموا اليوم لأنهم انتخبوا رجب الطيب، من غير أن يتوقعوا أنه يخبئ لهم وحشا اسمه أردوغان؟

ما أتوقعه أن أردوغان بعد فشله أوروبيا سيلتفت إلى الداخل لا من أجل أن يعيد ترتيب أوراقه الإصلاحية، بل من أجل تفجير ذلك الداخل. ليس صعبا عليه أن يخترع أعداء جددا. وليس من المستبعد أن يعلن عن محاولة انقلابية جديدة. كما أنه قد يبحث عن وسائل لإحراج حلف الناتو في مواجهة روسيا التي هزمته في إدلب من خلال اتفاقية حفظت له ماء وجهه.

لا أعتقد أن أردوغان سيبلع إهانته أوروبيا. غير أن تفكيره بمستقبله السياسي سيردعه عن القيام بأي فعل انتقامي. لذلك فإنه، في آخر الأمر، سيعود إلى رجب الطيب ليسأله عما يراه صحيحا.

يومها سيتخلص الأتراك من أردوغان.