علي محمد السليماني يكتب:

"باب المندب" .. والبحر العربي والصراع الدولي..

صراع المصالح المتعددة والحروب ومنها حرب 1994 والحرب التي تدور رحاها منذ خمس سنوات ومابينهما من حروب القاعدة والقرصنة البحرية في منطقة جنوب البحر الاحمر -البحر العربي و(خليج عدن ) الذي كان اسمه في الحضارات القديمة خليج العرب - من اهم ممرات تجارة النقل البحري فكل تلك الحروب تعد امتداد لصراعات منذ العهود القديمة حيث استطاعت حضارة اول مملكة اسسها العرب الجنوبيون*

*(حمير الاولى) عام 3200 ق.م واتخذت من ظفار الشرق او مايمكن ان نسميه (ظفار) اﻻولى عاصمة لها بعد ظفرها باالمعانيي السومرييين وبعض المراجع تعتقد انهم ارام (الظفر اﻻول) هناك وتوسعها في التعامل مع تجارة النقل البحري عبر اشهر موانئء الجزيرة والخليج قنأ وسمهرم*

*( حاليا بير علي والشحر )*

 

*في ذلك الوقت الموغل في القدم لنقل منتجاتها من اللبان وعود* *الصندل والصمغ والمر الى بلدان حوض البحر اﻻبيض المتوسط والشرق القديم وهي منتجات في وقتها كانت تضاهي منتجات النفط والغاز في زماننا هذا..*

*كما طلب الملك المصري (ميناء) الذي اعتلى عرش الحكم في مصر عام 3200 ق.م (لاحظ التزامن في التاريخ ). من ملك العرب الجنوبيون ان يخفض اسعار تلك المنتجات التي كانت ﻻتستغني عنها المعابد والطقوس الدينية والمصانع في ذلك الزمان..

 

لكن الملك الجنوبي رفع الاسعار اكثر مما كانت عليه مما دفع الملك المصري (ميناء) القيام بحملة عسكرية تم التصدي لها عند مضيق البحر الاحمر وخليج العرب ( عدن ) وتفاجئ الجيش الغازي ان العرب الجنوبيون استخدموا مدافع المنجنيق التي لم تكن معروفة قبل تلك الحرب في ذلك الزمن القديم وتم اختراعها من قبل تلك المملكة العربية الجنوبية وابادت بها الجيش الغازي لتلك الحملة كاملا..ويذهب الاخباريون ان المصريين كانوا يزورون مقابر قتلاهم في تلك المعركة سنويا* *ويندبونهم وسمي موقع المعركة باب المندب. .وتعاظمت اهمية باب المندب لخدمة التجارة والملاحة الدوليين الى جانب الدور اﻻستراتيجي في العلاقات الدولية وصراعاتها في اﻻستحواذ على المواد اﻻولية الضرورية لصناعاتها المختلفة بعد افتتاح قناة السويس.. ان القرصنة في القديم كانت مترابطة ومتصلة الى حد كبير بصراع القوى على الثروات والممرات الاستراتيجية بهدف السيطرة عليها ونشر القواعد العسكربة لحماية تجارتها وقد شهد البحر اﻻحمر والبحر العربي صراعات مختلفة بين القوى الاستعمارية للسيطرة على المنطقة منذ القرن الخامس عشر الميلادي حتى استغلت بريطانيا حادثة السفينة دولت واعتبرت ماتعرضت له تلك السفينة من انواع القرصنة والتقطع واحتلت عدن عنوة من سلطنة لحج العبدلية في عام 1839 م بهدف حماية مصالح شركاتها في الهند الشرقية والهند الغربية وضمان مصالحها ومصالح حلفاؤها في الجزيرة والخليج وشرق افريقيا والقرن اﻻفريقي ..وفي العصر الحديث ومنذ صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947م وضع المخطط الصهيوني نصب عينيه البحر اﻻحمر وجنوب البحر الاحمر ذو الاهمية الكبرى في اﻻستراتيجية اﻻسرائيلية انطلاقا من البعد التاريخي الذي يعود الى الرحلة التاريخية في القرن السابع عشر الى المخاء و وتعز وصنعاء التي قام بها مؤسس مذهب الدونمة شبتاي

( المخلص) وفق معتقدات اليهود اﻻصوليين ' وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م تعاظم الاهتمام بالبحر اﻻحمر وجنوبه لدى واضعي السياسات اﻻستراتيجية والمصالح التجارية للدولة العبرية الجديدة الوليدة في الشرق القديم او اﻻقصى والذي تم استحداث له اسم جديد "الشرق الاوسط"' لقد حددت تلك اﻻستراتيجية ثلاثة مواقع في المنطقة وجعلت منها مواقع معادية لها الاول هو غرب السويس (مصر ) والثاني هو شرق السويس( الجنوب العربي والخليج العربي) والثالث هو قلب الجزيرة العربية بمقدساته الاسلاميه وامكاناتها الاقتصادية (السعودية )ولم يخيب الواقع ظنون'وتوقعات المخطط الصهيوني فقد جاءت الثورة المصرية عام 1952م بزخم "ثوري وقومي عربي هادر" ولكن تغلب عليه العاطفة والحماس وعدم وضوح الوسيلة التي يمكن بها تحقيق هدف المشروع القومي العربي الذي استبدل مصطلح شرق السويس وغربه بالخليج العربي الثائر والمحيط الهادر ..والعدو الثاني هو الجنوب العربي الذي يتهياء للاستقلال وموقعه في جنوب البحر اﻻحمر والمياه الدافئة في البحر العربي وخليج عدن والمطل على الفتحة الجنوبية لمضيق باب المندب (توأم) قتاة السويس.. لقد اندهشت عندما وقع بيدي كتاب عن اتحاد الجنوب العربي الذي تاسس في عام 1959م وفيه يورد المؤلف ان اسرائيل طلبت من البريطانيين اطلاعها على مشروع اتحاد الجنوب العربي ومراحله وخطواته اوﻻ باول دون علم سلاطين وامراء الجنوب العربي ..اما الهدف الثالث فهو قلب جزيرة العرب السعودية بثقلها الديني والاقتصادي..لقد ادرك المخطط الصهيوني ضرورة عدم التوافق بين تلك الثلاث المكونات العربية التي لها مكانة قصوى في الاستراتيجية اﻻسرائيلية في البحر الاحمر وجنوبه ومنها ضمان مصالحها في مرور تجارتها وسفنها في مضيق باب المندب واْملاْ شروطها في عملية التفاوض حول السلام في منطقة الشرق الاْوسط وعمدت اسرائيل الى الاستفادة من الفخ الجذاب الذي وقع فيه الرئيس المصري جمال عبدالناصر والذي اعتقد ناصر انه سيكون الملبي والمعوض لطموحات المشروع القومي العربي الذي حمله ناصر بعواطفه الجياشه لتحقيق حلم الوحدة العربية الذي انكسر في سوريه عام 1961م..لقد كان استقلال الجنوب العربي على اﻻبواب وهو مركز الصراع في المنطقة قديما وحديثا و بدا مسرح الاحداث جذابا ومغريا واراد ان يوجه ناصر ضربة قاضية للامبريالية العالمية والاْستعمار بدعم انقلاب عسكري في اليمن (اللغز) وهو ماحدث في 26 سبتمبر 1962م وهنا تحقق الهدف للاستراتيجية الاسرائيلية الذي من خلاله سيتم زرع بذرة الخلاف بين مصروالسعودية شقي الرحى في المعادلة العربية وبالتالي دفن المشروع القومي العربي في جبال اليمن ..وبهذه الضربة الموفقة سيتم احكام السيطرة غير المباشرة على البلد العدو المفترض الثالث الذي يوشك على اﻻستقلال وماحدث من سباق على من تكون له السيطرة على منطقة شرق السويس( الجنوب العربي والخليج العربي) ..واندلعت الحرب الاهليه في اليمن بين ملكيين/ وجمهوريين مغذاه بمال النفط السعودي وبدماء الجيش المصري وفي الوقت نفسه تم التحكم في مصير الجنوب العربي والسيطرة من بعد على استقلاله ودفعه بعيدا عن (الموقعين) في غرب السويس وقلب الجزيرة 'بل ودائريتيه العربية والاسلاميه .

 

لقد جاءت حرب 1967م لترتب قواعد اللعبة بالطريقة التي تخدم استراتيجيات مختلفة لقوى اخرى استفادت منها بينما كان ابرز الخاسرين فيها مصر وبريطانيا والسعوديه اطراف الصراع المباشر !!

ان مضيق باب المندب وخليج عدن شكلا مكانا جذابا للقوى الطامعة بل وحتى للقراصنة نظرا لحجم التجارة واﻻعداد الكبيرة من سفن النقل التجاري التي تمخر مياه البحرين العربي واﻻحمر عبر'مضيق هرمز وباب المندب

 

ولن اطيل اكثر من هذا لان واقعنا يتكرر بشكل مأساوي وما ان تنتهي ازمة حتى تبدا اخرى

وهكذا دواليك ولم تعد القرصنة مقصورة على اشخاص مغامرين هدفهم الحصول على اﻻموال وفق مايعتقدون انها اسرع الطرق بل اضحت القرصنة منظمة وتمتلك وسائل حديثة للقيام بها ولعل دول تشجعها ضد تجارة دول اخرى او للأضرار بسمعة ومصالح بلدان اخرى

 

لقد شهد عام 2009 اسوا الاعوام للسفن والتجارة حيث شهد البحر العربي وخليج عدن سلسة من اعمال القرصنة البحرية ادت الى زيادة رسوم التامينات على السفن القادمة الى المنطقة او المارة بها مما اضطرت معه اﻻمم المتحدة الى التدخل عبر مجلس الاْمن الدولي لمعالجة هذه المشكلة والخطر الذي يشكله القراصنة ويهدد التجارة والملاحة الدوليتين واوصت الدول باتخاذ التدابير اللازمة فارسلت الدول اساطيلها الحربية الى خليج عدن والبحر العربي لمواجهة ما اسموه بالقراصنة الصومال ليكتشفوا ان اطراف يمنيه نافذه كانت تقدم مساعداتها اللوجستيه لهؤلاء القراصنة والذي كانوا على درجة من الخبرات والمهارات بل وتلك الاطراف تتعامل بالتهريبات المحرمة..وفيما يبدو ان تلك الاطراف كانت تتوقع ان الحراك الجنوبي سيكون سباقا في سيطرته على باب المندب اْو كما كانت تتوقعه تلك اﻻطراف ان تسبقها الى ذلك اطراف اخرى منافسة لها !! *

*وهكذا تدخلت كل تلك اﻻساطيل الحربية لمواجهة خطر ماسمي بالقراصنة الصومال والذي كانوا على درجة عالية من المهارة والحرفنة في التعامل مع السفن التي تقع في قبضتهم مما يدل على ان دول او استخبارات دول كانت هي المحرك لهؤﻻء القراصنة ..ان دور ميناء عدن في خدمة التجارة والملاحه الدوليين دور كبير ومشهور منذ العهد البريطاني في عدن حيث وصلت شهرة الميناء الى مختلف ارجاء العالم بمايوفره موقعه الامن و القريب من خطوط الملاحة البحرية بماﻻيزيد عن اربعة اميال حتى اصبح ثاني ميناء في العالم من حيث حركة السفن*..

*لقد عادت ازمة باب المندب مجددا بعد تعرض سفينة اغاثة اماراتية للاعتداء الاثم ثم أعقبها ضرب البوارج الحربية الاميركية قبالة مياه ميناء المخاء لتعيد ازمة القراصنة الصومال مجددا ولكن بقميص (حوفاشي) 'ومازال باب المندب هو نفسه باب المندب مضافا اليه مصالح ضخمه معروفه وغير معروفه ومازالت اﻻساطيل الحربية تجوب البحار تراقب ومازالت التجارة والملاحة وعدن والجنوب والشمال يعانون وفي المقابل مازال الصراع على كنز الكنوز يدور ومافي الغيب يعلمه الله ومن عاش سيرى ماتلده تلك الازمات وهذه الحروب ونتامل ان يكون ماتلده خيرا للجميع .!!*

 

علي محمد السليماني

صحفي وباحث في تاريخ الجنوب القديم.