فاروق يوسف يكتب:
الفاخوري الذي فتح طريق الغرب أمام إيران
ترعى إيران النظام العراقي الذي يتميز أفراده بأنهم من حَمَلة الجنسيتين. في المقابل فإنها تعتقل بتهمة التجسس كل إيراني يدخل أراضيها حاملا جنسية أخرى غير الجنسية الإيرانية.
بالنسبة إلى النظام الإيراني فإن تهمة التجسس والعمالة للغرب جاهزة، ولكنها في الواقع مجرد غطاء لما ترغب إيران في الحصول عليه من ثمن. هي صفقة رسمية تشبه إلى حد كبير تلك الصفقات التي تخطط لها عصابات الخطف.
ما جرى في بيروت يكشف عن جزء من تلك الحقيقة.
عامر الفاخوري هو أحد ضباط جيش أُنطوان لحد الذي كان حتى عام 2000 يحتل الشريط الجنوبي من لبنان بحماية إسرائيلية. كان الفاخوري مسؤولا عن التعذيب في سجن الخيّام. اعتقلته السلطات حين دخوله الأراضي اللبنانية بجواز سفر أميركي السنة الماضية.
فجأة يقرّر القضاء اللبناني إطلاق سراح الفاخوري.
من السخرية القول إن ذلك الإجراء تمّ من غير علم حزب الله، ومن خلفه إيران. يتحدث البعض عن صفقة تم إبرامها بين حزب الله والولايات المتحدة. غير أن ذلك ليس صحيحا. إطلاق الفاخوري هو جزء من صفقة إيرانية أميركية سيتم بموجبها إطلاق المعتقلات والمعتقلين من حاملي الجنسية المزدوجة في إيران، وهو ما تنتظره دول أوروبية عديدة إضافة إلى الولايات المتحدة.
فإذا كان الفاخوري، وهو عميل إسرائيلي تدينه الوثائق المؤكدة، قد أطلق سراحه فما بالك بمن كانوا ضحايا الشبهات الذين كانت جريمتهم تكمن في حصولهم على جنسية أخرى غير الجنسية الإيرانية؟
لن يكون رضا النظام الإيراني عن عملائها في العراق مقياسا. فهم ليسوا إيرانيين، وهم مجرد أتباع، يؤدون وظيفة مؤقتة لا تقترب من الأمن القومي الإيراني.
ذلك الوضع هو المناسب لإيران بمعنى أنها حين ترضى أن يُحكم العراق من قبل شخص يحمل الجنسية الفرنسية أو البريطانية أو الأميركية، فإنها تحقق من خلال ذلك هدفها في تمييع هوية الدولة العراقية.
وهو ما لا يمكن أن تقبل به لأصغر موظف من موظفيها، بل إنها تعتبره فعل خيانة حين يتعلق الأمر بزائريها من إيرانيي الأصل.
لقد أودعت إيران كل مواطن عاد إليها بجواز سفر أجنبي السجن باعتباره جاسوسا. وهو ما لن تطبقه في العراق الذي هو محميتها.
ذلك يكشف عن أنها تريد أن يكون العراق محكوما من قبل “الجواسيس” من وجهة نظرها.
ومن أجل أن تكتمل الصورة في ما يتعلق بإطلاق سراح الفاخوري، فإن حزب الله قد نأى بنفسه عن المسألة، وصار يُحمّلُ رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل والمؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية الضغط على القضاء خوفا من غضب أميركي كان سيؤدي إلى فرض عقوبات على لبنان.
ذلك كلام مرسل يمكن لحزب الله أن يقوله من غير أن يجرؤ أحد على تكذيبه.
وليس من المجدي هنا التذكير بأن ما من شيء يجري في لبنان إلا بعلم حزب الله، وأن ميشال عون ما كان في إمكانه أن يصبح رئيسا للجمهورية لولا إصرار حزب الله على ذلك، أما السلطة القضائية في لبنان فإنها مسيّسة ولا يمكنها أن تدوس على خطوط الحزب الحمراء.
كل هذا يعني أن كل شيء قد تم تدبيره بمعرفة حزب الله الذي يعترف أن هناك خطوطا مفتوحة بينه وبين المؤسسة الأمنية الأميركية في ما يتعلق بمسألة العميل الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية.
من المؤكد أن حزب الله ضمن من خلال إطلاق سراح الفاخوري استجابة للطلب الأميركي عدم صدور لائحة أميركية جديدة بالعقوبات تضم شخصيات منه أو تقوم بخدمته داخل لبنان وخارجه.
غير أن إيران تظل هي المستفيد الأكبر من تلك الصفقة. من خلالها سيكون أمر إطلاق المعتقلين داخل سجونها من الفرنسيين والبريطانيين والأميركان من ذوي الأصول الإيرانية إجراء هو بمثابة تعبير عن حسن النوايا. وهو ما ينعكس على المزاج الغربي بطريقة قد تقلب المعادلة القائمة اليوم على أساس استمرار العقوبات على نظام الملالي.
الدرس الذي يمكن استخلاصه من كل ما جرى إنما يؤكد أن إيران لا يهمها أن يُحكم العراق من قبل عملاء معادين للوطنية، أو أن يتم استضعاف القضاء اللبناني حيث يتنازل عن حق الضحايا ويطلق سراح جلادهم الإسرائيلي الأميركي لاحقا.
ما يهم إيران، فعلا، أن تضع كل ذلك في خدمة مشروعها الذي يضم في ما يضمه صفقات مريبة مع الغرب.