فاروق يوسف يكتب:
في زرقة المحيط
لم يخبرها بأنه شاعر. تلك مشكلة. كيف يمكن أن يقدّم المرء نفسه باعتباره شاعرا؟ كل الناس شعراء. غير أنه فجأة اكتشف أن الكلمات التي يكتبها من أجلها كانت تنسبها لشخص سواه.
لا يكفي أن يقول “إنني تعلّمت من جسدها الرقص على إيقاع الكلمات”، تتوهّم أن هناك وصفات جاهزة للغرام. قال “لا بأس سأكون سواي من أجلها” كل ما يقوله هو خلاصة ثقافته في الغرام. ولكن ذلك لا يكفي. علينا أن نعود إلى المرجعيات. لقد حصر هنري ماتيس تفكيره في بابلو بيكاسو باعتباره لصا عظيما. لذلك لم يتح له التمتّع باعترافه كونه رساما يستحقّ أن يرثه. ولكنه كان يتسلّل إلى ليلها بنجوم صغيرة. جمل يكاد الغرام أن يغرقها بمائه. لا ذهب فيها ولا فضة. قال لها “أنا أحبك”، تلك جملة مستهلكة وليست من صناعته، غير أنها التصقت بأذنها مثل قرط.
“سأكون شاعرا لأمثل الدور على المسرح، فلا تتاح لي الفرصة في أن أفتح الباب على جنات غرامي الشخصي. ستريني في المشهد كما كان ماتيس ينظر إلى بيكاسو”، ذلك اللص الذي سرق قبلة. هي أجمل قبلة في الوجود.
ما من امرأة قالت “شكرا” بعد تقبيلها سوى تلك المرأة التي لم تعرف أن من قبلها كان شاعرا. في اللحظة التي كان عليهما فيها أن يفترقا وجدت تلك المرأة الطريق سالكة إلى جنتها.
ستقول “أنا أحبك” كان عليه أن يعود إلى شفتيها ولم يفعل. كان عليه أن ينصت إلى قلبها ولم يفعل. كان عليه أن يضيع وهو ما فعله. كل نساء بيكاسو تجمّعن يومها في واحدة، وكان ماتيس يحذّر من أنهنّ جميعهنّ مسروقات من لوحاته.
حين نظر إليها وهي تذهب تذكّر فاتنات ماتيس. كتب إليها “في زرقتك أنا أغرق أيها المحيط”، غير أنها لا تزال تفكّر في ذلك الشاعر الذي ألهمته كلماته. ستظل تبحث عنه في عينيه. يعرف أنها تحب ذلك الشاعر من غير أن تجرؤ على السؤال عن اسمه.