عدلي صادق يكتب:
مناشدات إسرائيلية لنتنياهو وغانتس
مع تفشي وباء “كوفيد – 19” دخلت الأزمة السياسية والدستورية في إسرائيل، مرحلة المناشدات العاطفية، التي افتتحها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، بدعوة قائدي الحزبين “الليكود” و”أزرق أبيض” للاتفاق على حكومة طوارئ يواجهان بها هجمة المرض الوبائي المتفشي.
قال لهما رؤوفين “من واجبكما وضع الخلافات السياسية جانبا”، ذلك علما بأن الخلاف أو العثرة المتبقية ليست حول السياسات، وإنما على توزيع الحقائب والمناصب، لاسيما حقيبة العدل ورئاسة الكنيست. فبالنسبة إلى الأولى، لا يأمن نتنياهو على نفسه، في حال تسلّمها الحزب المنافس، وبالنسبة إلى الثانية يريد الليكود التحكم في مسار النقاشات الجارية.
لعل أهم المناشدات العاطفية التي وُجّهت لنتنياهو وغانتس هي تلك التي أرسلها رجل ناج من المحرقة النازية، في السادسة والتسعين من العمر، يُدعى وولتر بينغام، وهو من الجناح اليميني المتطرف، كان يعمل طبيبا بيطريا في الحرب العالمية الثانية. ففي رسالتين إلى كل من غانتس ونتنياهو؛ لخص بينغام تشخيص المشهد الإسرائيلي، وبدأ بمخاطبة بيني غانتس قائلا “أيها الجنرال، يمكنك تشكيل حكومة إذا قبلت على نفسك وحزبك، دعم القائمة العربية المشتركة.
فهؤلاء ليس فقط سيفرضون ثمناً باهظاً للغاية، وإنما ستجد أن الجزء الأكبر من الناخبين سيدينك على ذلك، بل لولا كورونا ستفاجأ بأن هذا الجزء الأكبر من الناخبين سيتظاهر بأعداد كبيرة ضدك. ثم إن مثل هذه الحكومة لن تستمر لأكثر من ستة أشهر. أنت لست بحاجة لأن ألقي عليك محاضرة، حول أهداف القائمة المشتركة. يكفي أن أقول إنهم لا يعملون من أجل الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ذات حدود آمنة في غور الأردن، وذات سيادة على أجزاء من يهودا والسامرة”.
واستطرد الرجل التسعيني يقول “دعني أحدد لك شكل الحكومة الأكثر فاعلية وديمقراطية من النظام التاريخي في إسرائيل. وهو شكل من شأنه أن يلغي الحاجة إلى سلسلة من الانتخابات المتكررة. فكل الخبرة الواسعة للاستراتيجيات والتكتيكات التي مارسها رؤساء الأركان الحاليين والسابقين، وعملت على أساسها الحكومات المتعاقبة لإلحاق الهزيمة بالعدوّ، كانت بائسة وغير فعالة أمام فايروس كورونا. فهذا الوباء يحتاج إلى جميع الموارد العلمية والطبية مع التعاون الكامل من المستوى السياسي. وتحقيقا لهذه الغاية، يطالب الجمهور كليكما، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأنت، بالاستماع إلى طلب الرئيس رؤوفين ريفلين لتنحية خلافاتكما السياسية جانبا وتشكيل حكومة وحدة على الفور”!.
ويسترسل بينغام مخاطبا بيني غانتس “أعلم أنك لا تثق بعمق في صدق دعوة رئيس الوزراء نتنياهو. ومع ذلك، فمن مصلحة صحة الأمة الموافقة على الأقل على ترتيب مؤقت لحكومة الوحدة ، يتم إنهاؤها عندما تنتهي حالة الطوارئ الطبية ويتم تحسين الوضع الاقتصادي إلى مستوى مقبول. ولأن مهمة حكومة الوحدة المؤقتة هي بشكل أساسي الالتزام بالتعامل مع الميزانية والقضية الصحية الخطيرة، فمن غير الحكمة أن يتم عرض قضايا خلافية مثل منصب رئيس الكنيست للنقاش”!.
وفي رسالته إلى نتنياهو يقول الرجل منتقدا نتنياهو ومعه مجمل النظام السياسي في إسرائيل “مثلما تتوقع أن تلتزم الأمة بتعليماتك للقضاء على الخطر الصحي، نتوقع منك أن تتوقف عن ممارسة لعبة اللوم وأن تستمر في تشكيل حكومة الوحدة المؤقتة. فقبل وبعد كل شيء أنت وحزبك، وغانتس وحزبه، لستم إلا خدما للشعب”.
ويستطرد قائلا “الآن أودّ أن أقترح عليكم الحل طويل الأمد. فالانتخابات المتكررة هي ليست مجرد استنزاف للاقتصاد لأسباب تعرفها جيدا، ولكنها تمنع أيضا كل حكومة منتخبة من إكمال مشاريعها الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية. وبعبارة أخرى، تمنع الكراسي الموسيقية الوزارية استكمال أفضل الخطط الموضوعة. لذا حان الوقت لتغيير النظام الانتخابي. ما لدينا في الوقت الحاضر ديمقراطية بالاسم فقط. إنها ديمقراطية زائفة.
هناك سؤال مهم للمساءلة. إن أعضاء الكنيست مندوبون عن حزبهم – بلا مسؤولية تجاه جميع الناخبين – فإن نظاما أفضل وأكثر عدالة وديمقراطية حقا هو تقسيم البلاد إلى مئة أو مئة وعشرين دائرة انتخابية، لمناطق محددة مع أكبر عدد ممكن من أعداد السكان المتشابهين، والتي يمكن لكل حزب مسجل بشكل صحيح أن يختار مرشحا له، بحيث يكون الشخص الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات عضو الكنيست عن منطقته، وبذلك يكون جميع الناخبين ممثلين في البرلمان بغض النظر عن انتمائهم. وهذا سيشجع ذلك ممثل كل منطقة، على العمل لمصلحة منطقته، لكي يتم اختياره مرة أخرى في المرة القادمة”.
وفي أهم ما يختم به الناصح، يقول “أنا مندهش من أن الناخبين الإسرائيليين يقبلون سلميا دورهم كمجرد علف لتغذية الكنيست ويدعمون هيئة تشريعية ليست لديها ضوابط في التصويت لصالح أنفسهم في قضايا مثل زيادة رواتبهم بينما هم عاجزون عن تمرير واعتماد قضايا عامة. في هذه الأثناء، يتعين على عدد كبير من الناجين من المحرقة أن يقرروا ما إذا كانوا سينفقون أموالهم الضئيلة على الطعام أو الدواء أو التدفئة”.
بفعل المناشدات، عاد نتنياهو وغانتس إلى التهاتف، مساء الخميس ثم أمرا فرقهما التي تتفاوض على أمل الوصول إلى التحالف، بالاجتماع يوم الخميس في محاولة لتشكيل حكومة وحدة.
وكان ممثلو الجانبين يتحدثون سرا ولكن المحادثات الآن ستصبح أكثر رسمية. وفي بيان أصدره في نفس الوقت الليكود والأزرق والأبيض، تعللوا بكورونا، وبالمناشدات، لكي يعودوا إلى بذل محاولة أخرى لتذليل العقبات.
أما المتنفذون في سلطتي الأمر الواقع، الفلسطينيتين، فلم تصدر أيّ إشارة منهم تدل على التجاوب مع أيّ مناشدات.
العرب