فاروق يوسف يكتب:

رئيس وزراء جديد في العراق. هل من معنى؟

عصفت الاحتجاجات التي شهدها العراق برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي فاستقال قبل أشهر. ومن يومها والبحث عن بديل لم يتوقف.

صار الأمر أشبه بمزاد لا تُعرض فيه إلا بضائع، ليس من المأمول أن ترتفع قيمتها أو تقاوم في سباق الأسعار.

لقد بدت العقدة مستعصية. فالأحزاب المهيمنة على السلطة لا تملك سوى الرهان على شخصيات لا يمكنها أن تحظى برضا شعبي.

اما الشعب الذي أنهكه الفقر والبطالة والحرمان والتمييز والعزل والقمع واليأس فإنه لا يجد في قيام حكومة جديدة حلا لمشكلاته المزمنة.

فالحل ينبغي أن يكون جذريا وذلك من خلال اقتلاع النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية من جذوره واقامة نظام جديد يستند إلى مبدأ المواطنة. وهو ما لا يمكن أن تتعامل معه الأحزاب الحاكمة بايجابية. ذلك لأنه يهدد بمحو هيمنتها والقضاء على مصالحها.

ولو توقف الأمر على الأحزاب لهان الأمر. طرفا المعادلة التي تشكلت بموجبها صورة العراق الجديد وهما الولايات المتحدة وإيران لم يتفاعلا مع ذلك المطلب بما يشي باحترامهما لإرادة الشعب وحقه في اختيار النظام السياسي الذي يقوده ويدير شؤونه.

كان مريحا بالنسبة للطرفين أن تتوافق الأحزاب على شخصية، تُكلف بإدارة الحكومة في مرحلة انتقالية تمهيدا لإعادة انتاج النظام من خلال انتخابات لن تختلف عن ساباقتها إلا من خلال تغيير بعض الوجوه وصفاتها المعلنة التي لن تكون حزبية في الظاهر.

وبعد أشهر من الخلافات بين الأحزاب، بعضها والبعض الآخر وبينها وبين المحتجين يسرت كارثة كورونا بما رافقها من حظر للتجوال والتجمعات العامة الوصول إلى الاتفاق عل تكليف مصطفى الكاظمي بالقيام بتأليف الحكومة.

الكاظمي هو رئيس جهاز المخابرات العامة. منصب حساس لا يمكن الوصول إليه في الدول المستقرة إلا من خلال الجهاز نفسه. بمعنى أن الشخص الذي تناط به مسؤولية قيادة مؤسسة بتلك الاهمية ينبغي أن يكون قد أكتسب خبرة عشرات السنين في مجال تخصصها.

غير أن الكاظمي لم يُعرف قبل احتلال العراق عام 2003 إلا بكونه صحفيا. ولسنا هنا في مجال تقييم خبرته ومكانته وانجازاته في ذلك المجال.

بعد احتلال العراق عاد إلى العراق من بريطانبا وعمل في مؤسسة الذاكرة العراقية التي أنشأها كنعان مكية.      

تركز عمل تلك المؤسسة على محو الذاكرة العراقية واختزالها بتوثيق الجرائم التي ارتكبها النظام السياسي الذي تزعمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. لذك يمكن النظر بريبة وشك إلى الدور المشبوه الذي كان مخططا لتلك المؤسسة أن تقوم به وخاصة أنها ارتبطت بالشخص الذي وصف أصوات القنابل التي تتساقط على بغداد حين الغزو بأنها شيء أشبه بالموسيقى.

الكاظمي الذي كانت الأحزاب الموالية لإيران قد اتهمته في وقت سابق بأنه تواطأ مع الأميركان في مسألة مقتل سليماني والمهندس باعتباره عميلا أميركيا كان قد عمل مع زملائه بالمؤسسة قبل أن تدخل تلك الأحزاب ميدان السياسة المعلن على ما يمكن أن يُعتبر تعبيدا للطريق التي وجدتها الأحزاب والميليشات سالكة أمامها للوصول إلى السلطة.

وكما يبدو فإن دور تلك المؤسسة كان محدودا لذلك اختفت فجأة مع ملفاتها ومشاريعها ولم تعد قائمة. وقد يكون ذلك الدور مخابراتيا بشكل أساس وإن سعت المؤسسة إلى أن تغطي على ذلك بالظاهر الثقافية كما هو حالها حين طلبت من الفنانين العراقيين المغتربين التبرع بأعمالهم من أجل اقامة متحف لهم في العراق. اختفى ذلك المتحف باختفاء المؤسسة.

الكاظمي سيكون رئيسا للوزراء في العراق الذي حكمت المؤسسة التي عمل فيها بتصغيره واختزاله بالجرائم الذي يُصفع بها العراقيون كونها ملخص تاريخ بلادهم قبل الاحتلال الأميركي.

ولكن ما معنى أن يكون المرء رئيسا لوزراء دولة تهيمن عليها الأحزاب؟

لا شيء. سيكون الكاظمي بمثابة الصفر الضائع في المرحلة المقبلة. سواء كان أميركي التوجه أو إيراني الهوى فإنه سيدير مجازا دولة لن يتمكن من التحكم بمفاصلها، ذلك لأنه يعرف جيدا أنها تُدار من قبل مافيات الفساد التي لم يعد في خطاب ترشيحه بالتصدي لها.

بالنسبة للأحزاب لن يكون الكاظمي سوى جسر انتقالي إلى المرحلة المقبلة. لن يكون الرجل فاسدا بالضرورة، غير أن ما سيقوم به انما يقع في خدمة الفساد.