فاروق يوسف يكتب:

في مديح الكلاب بمناسبة القرار الصيني

اعتزلت الممثلة الفرنسية بريجيت باردو التمثيل في سن مبكرة، وتفرغت للدفاع عن الحيوانات الأليفة. كانت لا تظهر في صورها إلا وإلى جانبها كلب أو أكثر.

الكلاب تحظى بموقع خاص في مجتمعات انتهت من مسألة حقوق الإنسان باعتبارها نوعا من البداهة المسلم بها.

بعد وباء كورونا أصدرت الصين الشيوعية قرارا اعتبرت فيه الكلاب حيوانات أليفة ولا تصلح للأكل كالماشية. كان ذلك القرار اعترافا علنيا بأن لحم الكلاب كان يمدّ المطبخ الصيني بجزء من خياله.

كانت الصين إذن تربي الكلاب مثلما تربي الخنازير والبقر والخراف. وهو ما يعبر عن علاقة من طراز خاص. “إنهم يأكلون الكلاب” جملة يمكن أن تخرب مزاج أمم وتجعلها غير قادرة على النظر بإنصاف إلى ما حققته الصين من قفزات اقتصادية عبر العقود الثلاثة الماضية.

في سبعينات القرن الماضي شنت الحكومة العراقية حملة لصيد الكلاب السائبة، وكانت هناك مكافأة لمَن يَصيدُ كلبا مقدارها نصف دينار. لا أتذكر الآن الأسباب التي دعت الحكومة العراقية إلى القيام بتلك الخطوة.

وفي كل الأحوال لم تكن علاقة العراقيين بالكلاب حسنة. لم تكن تلك الكلاب من النوع الشرس. كانت كلابا مسكينة تبحث في بقايا الطعام المنزلي، وقد كان يومها مترفا عمّا يدفع عنها احتمال الموت جوعا. غير أن ذلك لم يمنع الأطفال وحتى الكبار أحيانا من مطاردتها ورميها بالحجارة. ذلك السلوك يمكن النظر إليه باعتباره جزءا من القسوة التي تتميز بها الشخصية العراقية.

لذلك رحب العراقيون بقرار حكومتهم ونظموا حفلات صيد لم تكن المساهمة فيها تحتاج إلى مهارة أو شجاعة. فالكلاب لم تكن تتوقع أن تكون هدفا للصيد.
حين أقمتُ في أوروبا اكتشفت أن هناك كلابا يفوق ثمنها الألف دولار.

ليس الثمن هو الميزة، ولكن سلوك تلك الكلاب الأنيق والدافئ والراقي كان يسبب لي دهشة مفاجئة في كل مرة ألتقي فيها كلبا. ذات مرة فيما كنت أمارس رياضة المشي في الغابة القريبة من بيتي شاهدت كلبا كبير الحجم وهو ينطلق راكضا في اتجاهي. كانت الطريق ضيقة تحيط بها الأشجار من الجانبين، ولم يكن في الإمكان أن أندسّ بين الأشجار لأسمح لذلك الكلب بالمرور فشعرت بالخوف. غير أن صوتا رقيقا انطلق من مكان ما أوقف الكلب ثابتا في مكانه. كانت صاحبة الكلب قد أمرته بالتوقف فوقف.

اعتذرت المرأة مني فيما مرّ الكلب من جانبي وكان كمَن يعتذر.

مشكلة الكلاب أنها مثل القطط اعتادت أن تعيش قريبا من الإنسان. إنها تعيش في عالمه. ربما لأنها تعتقد أنه يحتاجها. وربما لأنها تحتاج إلى من يرعاها في وحدتها. ولأن الكلب كائن وفيّ منذ أن تعرفت عليه البشرية، فهو لا يتوقع أن يغدر به الإنسان.

كان العراق قد استقبل في سنوات مشاريعه العمرانية عددا من الشركات الكورية. يومها اختفت الكلاب فقيلَ إن الكوريين هم السبب. ذلك لأنهم مولعون بلحم الكلاب بالرغم من توفر لحوم البقر والغنم في السوق العراقية.

لم نصدق يومها تلك الشائعة. الآن وبعد الاعتراف الصيني يمكنني النظر إلى المسألة بطريقة مختلفة.

لم تكن علاقة الصينيين بالكلاب سيئة مثلما هي علاقة العراقيين غير أنها كانت تنتهي إلى القتل. وفي ذلك تتساوى العلاقتان. غير أن الأسوأ يقع حين يكون القتل الصيني تعبيرا عن الغرام المطبخي. ذلك لأن الصينيين مغرمون بأكل لحم الكلاب.

صدمت الصين العالم بغرام شعبها بالكلاب باعتبارها طبقا شهيا وها هي تتخلى عن ذلك الطبق. المولعون بالذهاب إلى المطاعم الصينية، وهي المطاعم الأكثر انتشارا في العالم، لن يصدقوا أنهم كانوا ضحايا لمكيدة كبيرة اسمها المطبخ الصيني.