فاروق يوسف يكتب:

حين يجتمع الإرهاب والفساد على مائدة واحدة

هناك شقان ظاهران للأزمة العراقية هما الإرهاب والفساد. وإذا أمعنا النظر في الظاهرتين سنكتشف أنهما يصدران عن الجهة نفسها، فهما في النهاية الشيء نفسه لكن لكل واحدة منهما تقنيتها الخاصة.

الإرهاب يحمي الفساد حين يشكل غطاء له، وفي المقابل فإن الفساد هو ما يمول الإرهاب بأسبابه وعدته ويمهد له.

عمليا فإن الميليشيات، التي هي تنظيمات غير قانونية ولا تعترف بسيادة أي حكومة عليها بل إنها لا تخفي ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني، كانت قد تحولت إلى تنظيمات سياسية وفاز مرشحوها بمقاعد في مجلس النواب، فصارت تتحدث بلغة سياسية بالرغم من أنها لا تزال ممسكة بسلاحها.

بسبب ذلك التحول المظهري صار الإرهابيون وهم زعماء الميليشيات يحملون جوازات سفر دبلوماسية. ولديهم حصانة برلمانية. وهم يمثلون السلطة التشريعية.

ستكون المطالبة بتغيير ذلك النظام انقلابا على الديمقراطية. وهنا تكمن المزحة الرثة التي فرضها الأميركيون وورطوا أنفسهم فيها

وإذا ما عرفنا أن الجزء الأكبر من عمليات الفساد إنما يجري تحت قبة البرلمان، فإن ذلك يعني أن الإرهابيين انتقلوا بحكم مقاعدهم النيابية إلى مرحلة إدارة عمليات الفساد من خلال استعمال الوسائل الناعمة.

والغريب في الأمر أن القانون العراقي لم يقل كلمته في ما يتعلق بالازدواجية التي تنطوي عليها تلك الظاهرة. فقادة الكتل النيابية هم في الوقت نفسه زعماء ميليشيات. لا فرق بين العمل السياسي والعمل الميليشياوي.

والغريب أكثر أن الخارجين على القانون هم من أُنيطت بهم مهمة سنّ القوانين.

إنها معادلة لا تستقيم مع فكرة بناء الدولة فكيف بها، وقد فرضت نفسها بقوة الديمقراطية التي صارت صناديق الاقتراع هي المناسبة الوحيدة التي يتم من خلالها الإعلان عنها؟

الخارجون على القانون إذا موجودون في مجلس النواب لأنهم يمثلون أصوات من انتخبوهم. وهم بسبب صفتهم التمثيلية تلك يملكون القدرة على سنّ القوانين بما ينسجم مع مصالحهم.

بذلك تكون السلطة التشريعية قد استسلمت للإرهاب.

العراق بلد فريد من نوعه في ذلك المجال. فلو كانت المافيا قد استولت على السلطة التشريعية في إيطاليا لما بقي شيء من إيطاليا.

المشهد السياسي العراقي كئيب إلى درجة تدعو إلى الأسى.

فبالرغم من أن إخراج ذلك المشهد قد استند إلى سيناريو اللعبة الديمقراطية، غير أن ذلك لم يكن متقنا بطريقة مخاتلة. فمبدأ انفصال السلطات الثلاث واستقلاليتها ليس له وجود على أرض الواقع.

فالأحزاب التي مارست عمليات فسادها كانت، ولا تزال، تستمد قوتها من سيطرتها على السلطات الثلاث الضعيفة أو المستضعفة.

إذا وضعنا السلطة القضائية جانبا بسبب تسييسها، فإن رئيس السلطة التنفيذية الذي هو رئيس الحكومة لا يمكن أن يحل في منصبه ما لم تتفق على ذلك الإجراء الأحزاب التي تملك القدرة في مجلس النواب على تثبيته في منصبه أو طرده من خلال عدم حصوله على الثقة.

الإرهابيون الذين هم زعماء الأحزاب يملكون الحق القانوني في اختيار الحكومة التي تناسبهم. لذلك فإن تلك الحكومة لن تكون سوى واجهة تغطي على عمليات الفساد.

بسبب التحول المظهري صار الإرهابيون وهم زعماء الميليشيات يحملون جوازات سفر دبلوماسية. ولديهم حصانة برلمانية

دائرة شيطانية ليس من اليسير اختراقها. فعلى أساس حلقاتها المتلاحقة بني نظام المحاصصة الطائفي والعرقي في العراق. ذلك النظام الذي اعتبرته سلطة الاحتلال الأميركي قدرا عراقيا لا مفر منه.

ستكون المطالبة بتغيير ذلك النظام انقلابا على الديمقراطية. وهنا تكمن المزحة الرثة التي فرضها الأميركيون وورطوا أنفسهم فيها.

منذ سنة 2006 وهي السنة التي تولى فيها نوري المالكي الحكم تمت مأسسة الميليشيات، وفي الوقت نفسه بدأ العمل على إرساء قواعد الدولة السرية التي تقوم بنهب المال العام في ظل إصدار قوانين لا تزال سارية حتى اليوم.

لذلك يمكن النظر إلى ما يجري اليوم باعتباره ثمرة طبيعية لعملية ديمقراطية جردت الشعب العراقي من ثرواته وأفقرته، بل إنها أثقلت العراق بمديونيّة لن تُسدّ قبل خمسين سنة.