فاروق يوسف يكتب:
ترويض ترامب أم فضائح المنظمات الدولية
علق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساهمة الولايات المتحدة في تمويل منظمة الصحة العالمية التي تبلغ 450 مليونا.
قامت الدنيا ضد ذلك القرار وأعتبره الكثيرون قرارا أحمق.
ترامب غاضب لأنه يعتقد أن المنظمة لم تقم بواجبها بطريقة مهنية وخضعت في تقديراتها للصين لأسباب مجهولة مما ممكن الفيروس من الانتشار في العالم والفتك بآلاف البشر.
لو عدنا إلى تسلسل الأحداث يبدو ترامب محقا في غضبه.
فمثلما خانت الصين الحقيقة فإن منظمة الصحة العالمية تأخرت في الإعلان عن الخطر الذي يمثله الفايروس وتداعياته وكانت متساهلة في الدعوة إلى الحظر والاغلاق والتباعد الاجتماعي.
فهل كانت المنظمة مخلصة في ادائها المهني؟
يمكن النظر إلى سلوك المنظمة من جهة كونه يمثل تصرفا حذرا مخافة أن يدب الذعر في العالم غير أن ذلك السلوك لم يكن حكيما بالمقاسات العلمية.
كانت الصين تفكر في اقتصادها الذي يمكن أن يتضرر في ما لو أنها أعلنت أنها صارت مصدرا لوباء عالمي وهو ما يضع منظمة الصحة الدولية في زاوية حرجة. فهي لا تملك مصلحة في إخفاء المعلومات.
أعتقد أن موقف ترامب كان ضروريا من أجل دفع تلك المنظمة الدولية إلى موقع المساءلة. فما الذي دعا تلك المنظمة إلى تأجيل اعلان حالة الطوارئ العالمية؟
أرجو أن لا يلهينا التفكير السياسي عن رؤية الحقيقة.
ليست المنظمة شيوعية ولا تدفع لها الصين إلا عشر ما تدفعه الولايات المتحدة.
المشكلة تكمن في آليات عمل المنظمات الدولية ومنها منظمة الصحة الدولية. وهي آليات بيروقراطية بطيئة ومترددة ولا تستجيب لوقع الأحداث.
لا يمكنني القول إن ترامب عمل ما هو صائب في ظل الهبة الدولية للدفاع عن المنظمة غير أنه من المؤكد أن منظمة وسواها من المنظمات الدولية ينبغي أن تتعرض للمساءلة القانونية بكل شفافية.
وكما هو معروف فإن تلك المنظمات مثقلة بموظفيها الذي يستنزفون جزءا لا يستهان به من الأموال المخصصة للنفع العام، كما أن الامتيازات التي يتمتع بها أولئك الموظفون هي من النوع الاستثنائي غير الضروري.
فمنظمات الاغاثة على سبيل المثال تستهلك الجزء الأكبر من الأموال المخصصة للإغاثة في مجالات تشغيلية لها علاقة بتنظيمها الاداري المعقد والمتشعب والثقيل. لذلك هناك فارق كبير بين حجم الأموال الحقيقية المخصصة للاغاثة والأموال التي تنفق من أجل الاغاثة على أرض الواقع.
كان الأولى بالدول التي اعترضت على اجراءات ترامب العقابية أن تنصت إلى ناقوس الخطر الذي علقه ترامب في رقبة المنظمة.
هناك خطأ في توقيت القرار العقابي الذي اتخذه ترامب في ظل الأزمة الكارثية التي يمثلها انتشار وباء كورونا. ذلك صحيح غير أن ذلك الخطأ ينبغي أن لا يكون مسوغا لعدم الالتفات إلى حقيقة الأسباب التي دعت ترامب إلى اتخاذ قراره الذي أعتبر خاطئا.
فالصين عتمت على انتشار الوباء وهو ما لم تدنه المنظمة الدولية، بل أن موقف المنظمة كان متطابقا مع الموقف الصيني وهو ما يثير الشبهات.
ذلك الدرس الذي لم يكن في الإمكان ترويض ترامب في الاستفاضة بردود أفعاله الغاضبة بسببه سيكون علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين الدول والمنظمات الدولية التي تهدر الكثير من الأموال في قضايا جانبية بعيدة عن كل البعد عن المهمات الإنسانية الملقاة على عاتقها.
سيعيق الانسحاب الأميركي من المساهمة في تمويل منظمة الصحة العالمية عملها في هذا الوقت العصيب، غير أن الولايات المتحدة قادرة على تقديم مساعدات طبية مباشرة للدول الفقيرة الأكثر تضررا بالوباء، من غير أن تحتاج إلى وسيط.
ذلك ما وعد ترامب بالقيام به.
ولكن ذلك الاجراء لن يحل المشكلة. فالمنظمات الدولية ومنها منظمة الصحة العالمية ينبغي أن يُعاد النظر في آليات عملها ووضعها التنظيمي ومتاهاتها في انفاق المال العام بما يشبه الهدر المجاني.