فاروق يوسف يكتب:

تونس تحت مطرقة التكفيريين

ما يجري تحت قبة البرلمان التونسي خطير إلى درجة يمكن معها اعتباره تمهيدا لانقلاب على الديمقراطية وعلى مبادئ الثورة التونسية. وهو ما حذر منه الكثيرون في وقت سابق في محاولة منهم لثني النواب عن انتخاب راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان.

ما حدث قبل أيام يؤكد أن ذلك التحذير قد بُني على أسس واقعية.

“لا يجب الخجل من التكفير لأنه حكم شرعي”، ذلك ما صرخ به أحد ممثلي ائتلاف الكرامة الإسلامي في البرلمان، ليرد عليه رفيقه في الائتلاف “لا نستحي من التكفير كحكم شرعي ورد في الإسلام”.

كانت زعيمة الحزب الدستوري عبير موسي هي المقصودة بشكل مباشر. ولكن هناك جريمة هي أكبر من الدعوة إلى اغتيال نائبة وأكثر سعة من مساحة البرلمان لتشمل تونس كلها. تلك هي جريمة تبنّي التكفير والتلويح به من قبل كتل سياسية هي جزء من السلطة التشريعية.

لقد عدنا إلى زمن التكفير مرة أخرى. ذلك الزمن الذي اعتقد البعض أن تونس قد غادرته بعد أن دفعت ثمنه الباهظ بسقوط عدد من خيرة أبنائها ضحايا ظُلمته العمياء، التي لا تفرق بين الموقف الفكري المنفتح على الحياة المعاصرة، والموقف المعادي للدين.

التكفيريون لا يملكون ما يؤهلهم لفهم ظاهرة الاختلاف الفكري لذلك فإنهم يرون في كل ما ينتجه العقل البشري من أفكار عناوين للكفر. وهو ما يضع أقوال النائبين في موقع، يكون من خلاله البرلمان التونسي بمثابة وكر سري يأوي إرهابيين يخططون للانتقام من المجتمع.

هناك دعوة صريحة إلى اللجوء إلى العنف والتحريض عليه لتطبيق الشريعة. لقد تبنت التنظيمات الدينية المتشددة تلك الدعوة في أوقات سابقة، وهو ما جعلها تقبل بالإرهاب باعتباره حلا لأزمتها، أما أن تنطلق تلك الدعوة المفارقة للحس السياسي التي تخترق القانون في ظل حماية السلطة التشريعية أي سلطة القانون، فذلك ما يشكل تهديدا عظيما لسلامة الدولة وللسلم الأهلي. ذلك لأن التكفيريين هذه المرة يتمتعون بحصانة برلمانية وهو ما لا يعرضهم للمساءلة القانونية. ما معنى ذلك؟

حين يصمتُ رئيس البرلمان الغنوشي في مواجهة التكفير العلني الذي هو دعوة صريحة للعنف، فإنه يعبر عن موقفه الشخصي. فالرجل الذي يقود حركة النهضة الإسلامية لم يُعرف بمواقفه التي تدين ما شهدته تونس من عمليات اغتيال لسياسيين سبق للتكفيريين أن لاحقوهم، كما أنه لم يعترض أيام حكم النهضة في ظل الترويكا على الغزوات التي طالت مسارح وقاعات عروض تشكيلية بعد أن تم تكفير ممارساتها.


يصمتُ الغنوشي، وهو رئيس البرلمان، عن دعوات التكفير لأنه يوافق عليها وإلا فإن منصبه يسمح له بالتدخل والاعتراض ومنع النواب من ترديد الهتافات التكفيرية التي يعرف جيدا أنها تضر بأمن البلاد وتخترق القانون.

ولكن التنسيق يبدو على أشده بين حركة النهضة وائتلاف الكرامة.

عبر السنوات الماضية كانت تهمة التشدد تلاحق حركة النهضة بسبب تجاهلها للعنف الذي كان التكفيريون قد مارسوه في حق الآخرين، حتى أن الظن يذهب إلى أنها عملت حين كانت وزارة الداخلية في عهدتها على عدم فتح تحقيق جدي في الكثير من الحقائق التي تدين التكفيريين وتسميهم وتشير إلى جهات تمويلهم.

اليوم تعمل الحركة على جس النبض من خلال نواب غير محسوبين عليها، ولكنها تقوم بحمايتهم في ظل الحصانة البرلمانية. وهو ما يشكل انتهاكا خطيرا للقانون التونسي الذي يجرم العنف بكل صوره.

غير أن ما حدث لا يعبر عن سوء تقدير، بل هو الخطأ القاتل الذي لا يمكن أن تستمر الحياة السياسية في تونس بالسكوت عنه.

فالتكفير ليس وجهة نظر سياسية وهو ليس تعبيرا عن الاختلاف. إنه دعوة صريحة للقتل. فإذا كانت السلطة التشريعية قد سكتت في مواجهة الترويج للتكفير تحت سقفها، فإن ذلك يشكل دعوة صريحة للتنظيمات الإرهابية للعودة إلى غزواتها من غير أن تخشى العقاب. حصانة التكفير يمكن أن تشمل كل التكفيريين.

ليست عبير موسي وحدها بل تونس كلها في خطر.