فاروق يوسف يكتب:

الوباء الذي التهم جماعات الإسلام السياسي

ليست البشرية جاهزة لاستعادة وضعها الاجتماعي الطبيعي. ولكن متى تكون كذلك؟ لا أحد يملك الجواب. الحكومات حائرة ومستنفَرة. تعلن عن موعد لإنهاء الإغلاق ومن ثم تؤجله خوفا من عودة الفايروس إلى نشاطه الذي لم يتوقف. الناس صاروا يشكّون بقدرتهم على استعادة الثقة بتصرفاتهم التي يمكن أن يؤدي خطأ غير محسوب فيها إلى الموت. هكذا بكل يسر.

سيكون القرار صعبا. الأصعب منه ستكون الاستجابة له.

شيء ما يذكّر بأفلام الخيال العلمي. ينظر الخائفون من نوافذ بيوتهم وكل واحد منهم يكتب سيناريو مختلفا عن السيناريو الذي يكتبه الآخر. السلوك الجمعي في الشوارع والأسواق لا يفرض على الفرد قيودا في غرفة نومه.

ليس من المستبعد أن الكثيرين صاروا يفكرون بطريقة فلسفية. فالقوى الكبرى التقليدية تخلت عن مواقعها أمام قوى كبرى خفية، استطاعت أن تكسر الحدود وتصل بجيوشها إلى مواقع، ما كان يُخيّلُ للعقل أن أحدا في إمكانه أن  يقتحمها ويكون من خلالها سيد الأرض.

صار العلم يصارع شياطينه.

فجأة تقفز امرأة محترمة لأنك من غير أن تدري اخترقت المترين اللذين يجب أن تُحاط بهما. صار للمسافة أن تفرض لغتها على العلاقات بين البشر. “من أجل عائلتك عليك أن تحافظ على المسافة التي تفصلك عن الآخرين”، يقول الإعلان الذي تقرأه في كل مكان.

البشرية جمعاء تعيش لحظة مصيرية غير مسبوقة.

ذلك ما يدفعني إلى التفكير في الانفصال الذي تعيشه بعض الدول والجماعات عن العالم. هناك حروب لا تزال مستعرة في ليبيا واليمن، كما لو أن المقاتلين يسخرون من البشرية الخائفة على مستقبلها. لا موت يمنعهم من المضي في اتجاه موتهم العبثي. وفي السياق نفسه نجد دولا لا تفكر في كورونا بقدر تفكيرها في الاستمرار بإدامة قدرتها على تمويل تلك الحروب.

أخص بالذكر هنا تركيا في ليبيا وإيران في اليمن، وهما تتخطيان حاجز كورونا لتصلا إلى الجمرة الخبيثة التي يقيم فيها الخراب أعراسه.

أفكر في الإيرانيين والأتراك باعتبارهم بشرا يهمهم مصيرهم، وقد صار معلقا على خيط تتحكم به معادلات حروب لا مصلحة لهم فيها. هم مثلنا يرسمون خططا لما بعد كورونا، غير أنهم عاجزون عن معرفة ما الذي تفكر فيه حكومتان منشغلتان بحربين لا تمتان بصلة لمصيرهما المرتبط بمصير البشرية.

كان لزاما على العالم أن يتدخل لمنع تركيا وإيران من الاستمرار في إذكاء نار حربين عبثيتين. كورونا سبب معقول للقيام بذلك. على الأقل من أجل الدعوة إلى فرض نوع من التباعد بين المقاتلين. سينظر كل مقاتل في مرحلة الهدنة إلى مستقبل أيامه بطريقة مختلفة.

تمر البشرية اليوم بمرحلة تحول جذري، من العيب عليها أن تبقي على آثار المرحلة السابقة حية كما لو أن شيئا لم يحدث.

مع الحرب على كورونا كان يجب أن تنتهي الحرب في اليمن وفي ليبيا. كلاهما حدثان فائضان عن الحاجة البشرية.

وفي ظل تداعيات التفكير الشمولي بالمصير البشري تبرز ظاهرة جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تجمعا حزبيا شاذا.

الجماعة التي حكمت مصر سنة واحدة صارت تدعو أنصارها إلى المساهمة في نشر الوباء من أجل أن ينهار النظام الصحي في مصر، والذي سيكون من وجهة نظرها مقدمة لانهيار النظام السياسي.

البشرية كلها في مكان وجماعة الإخوان المسلمين في مكان آخر.

بين تركيا الأردوغانية وإيران الخامنئية وجماعة الإخوان المسلمين يمتد خيط الفشل الذي انتهى إليه الإسلام السياسي في مواجهة التحدي الذي فرض على دول العالم كلها، بغض النظر عن توجهاتها السياسية، أن تتحد من أجل الدفاع عن الوجود البشري.

ففي الوقت الذي تقاتل فيه البشرية جمعاء عدوا مشتركا تعكف دوائر الإسلام السياسي على الاستمرار في إنجاز مشروعها التخريبي الذي لا يخفي رواده سعادتهم بفايروس كورونا باعتباره هبة من السماء. وهم في ذلك إنما يستعرضون عداءهم المبيّت للبشرية.

صار الناس في مختلف أنحاء العالم يقيسون خطواتهم في إطار المسافة التي تمنع انتشار الوباء، فيما يدعو حزبيو الإسلام السياسي إلى العودة إلى التجمعات رغبة منهم في نشر الفايروس.

إنهم يقاتلون في جبهة معزولة، سيكون من اليسير على البشرية اكتشافها والقضاء عليها بعد الانتهاء من أزمة كورونا أو معها بعد أن صاروا جزءا منها.