فاروق يوسف يكتب:

عدن ملتقى أم مفترق طرق؟

في ما يتعلق بقرار الإدارة الذاتية الذي أعلنه المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن هناك مراجعة جادة لمفهوم الشرعية الذي هو ليس حجرا مقدسا لا يٌمس.

من حق اليمنيين بغض النظر عن انتمائهم الجهوي أن يعيدوا النظر في سلامة مواقفهم بعد كل ما مروا به من اختبارات عسيرة وظروف قاهرة.

فالنظام الجمهوري يسمح للشعب بالقيام بذلك اضافة إلى أن ما جرى في اليمن من تحولات عاصفة لا يمكن النظر إليه باعتباره تعبيرا عن إرادة الشعب، ذلك لأن كل شيء جرى بطريقة انقلابية لا يمكن التثبت من كفاءة عنصر الشرعية فيه ورسوخه في الوعي الشعبي.

فبعد أن تم خلع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح آلت السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي الذي انقلب عليه الحوثيون حين احتلوا عاصمة حكمه صنعاء فصارت حكومته تمثل الشرعية المغدورة.

حدث ذلك في الجزء الشمالي من اليمن الموحد. غير أن الجنوبيين وقد أصابهم ذلك الانقلاب في مقتل، لهم من طرف آخر حكاية أخرى تمتد إلى زمن ما قبل إعلان الوحدة بين اليمنين (الشمالي والجنوبي) لتخترق سنوات الوحدة وصولا إلى سقوط حكومة صالح واستمرار النظام من خلال منصور هادي الذي فضل إقامته في الرياض على أن يقود اليمنيين من عدن باعتبارها عاصمة مؤقتة. وهو ما شكل صدمة للجنوبيين الذين تمنوا أن تعترف الشرعية بشكل عملي بعاصمة دولتهم السابقة عاصمة مؤقتة لليمن الموحد وتتخذها مقرا للحكم. 

كان الجنوبيون في حاجة إلى نوع من الثقة لكي يبرمجوا على أساسها علاقتهم بالوطن الكبير الذي انفتحت أبوابه على المؤامرات والدسائس المعلنة والخفية والتي كان للشرعية دور بارز في حياكة جزء منها من خلال حزب الاصلاح الاخواني الذي لا يعترف انطلاقا من وضعه العقائدي باليمن باعتباره وطنا نهائيا.

لم يكن الانفصال الذي هو تعبير عن إعادة الامور إلى ما كانت عليه قبل الوحدة هاجسا بالنسبة للجنوبيين. ذلك ما لم تقدره حكومة هادي وحجتها في ذلك أن شرعيتها على الأرض اليمنية لا يُمكن أن تُمس في الوقت محا فيه الحوثيون كل أثر لتلك الشرعية في المناطق التي تقع تحت نفوذهم.

بمضي الزمن صارت شرعية حكومة هادي أشبه بالوثيقة الورقية التي لا يمكن التثبت من صدقيتها. فالجنوبيون الذين ضحوا بدولتهم المستقلة من أجل اقامة يمن موحد لا يمكنهم القبول بتمرير مؤامرات اخوانية تحت غطاء شرعية، صار استمرارها موضع استفهام.

هناك شعور بالاحباط صار يتعاظم مع غياب تلك الثقة.

إذا ما ركنا جانبا الأحكام الجاهزة ونظرنا بطريقة موضوعية فإن ما قرره المجلس الانتقالي الجنوبي يعبر عن مخاوف الجنوبيين من أن تكون الشرعية غطاء لتمرير أجندات لا تمت بصلة إلى الارادة الوطنية الموحدة.

لن ينفعهم في شيء الاعتراف بشرعية حكومة هادي إذا ما اجتاح الاخوانيون مدنهم وسلبوهم حريتهم وهيمنوا على مصائرهم من خلال السيطرة على المؤسسات الحكومية كما فعل الحوثيون في صنعاء والمحافظات التي سيطروا عليها.

وإذا ما كانت حكومة هادي ترغب في الدفاع عن شرعيتها فليس الجنوب هو المكان المناسب لذلك. هناك الجبهات المناسبة لذلك. وهي جبهات لم يتأخر الجنوبيون في اسنادها في أوقات سابقة.

غير أن كل تلك الاعتبارات ستكون مقبولة إذا ما أثبت المجلس الانتقالي أن الشرعية ترفض تنفيذ اتفاق الرياض أو تتخذ منه وسيلة لتمكين حزب الاصلاح الاخواني من السيطرة على مقاليد الامور.

ذلك ما يصعب القيام به في ظل الاراء المتضاربة التي تعبر عن وجهات نظر متناقضة. كل فريق يتهم الآخر بعدم تنفيذ اتفاق الرياض.

تلك مسألة ينبغي البت فيها بمعزل عن الخلافات التي يمكن احتواؤها عن طريق الثقة المتبادلة. وهو ما يتطلب قدرا من الشفافية لدى الطرفين والسرعة في الاداء. لأن الزمن ليس في مصلحة العمل الوطني المشترك.