فاروق يوسف يكتب:

كورونا يفشل في إيقاف الحروب العبثية

ما لا يمكن تفهمه على المستوى الإنساني هو أن المتحاربين لم ينظروا إلى عروض الهدنة التي قُدمت لهم بطريقة جادة تليق بإنسانيتهم المفترضة كما لو أنهم تخلوا عن القيم النبيلة والراقية التي كافحت البشرية من أجل تنظيمها وتكريسها وترسيخها ووضعها موضع التنفيذ العملي باعتبارها مقياسا لرقي الإنسان وتحضره وامتلاكه الوعي الذي هو عنوان وجوده وكونه إنسانا.

لقد فضل المتحاربون أن يستمروا في أدائهم الوحشي المشين خشية أن تضع الهدنة بسبب الخوف من تفشي المرض العالمي نهاية لذلك السلوك البغيض الذي يدركون جيدا أن أي لحظة يقظة إنسانية ستؤدي إلى تعطيل آليات عمل ذلك السلوك القائمة على نشر القتل والخراب والدمار والحقد والكراهية.

ففي الوقت الذي شهد العالم تكافلا وتضامنا غير مسبوقين في التاريخ البشري من أجل درء الخطر واحتواء آثاره سارت الأمور في غير مكان في العالم العربي بطريقة عكسية، بحيث بدت واضحة حقيقة الموقف الشاذ الذي يتخذه المتحاربون العرب من مسألة الوجود البشري. وهو ما يمكن أن يعمق من ظاهرة الانفصال العربي عن العالم بكل ما يمكن أن ينطوي عليه ذلك الانفصال من تبعات كئيبة يمكن أن تؤثر سلبا على مستقبل العرب باعتبارهم شريحة بشرية.

لا يمكن هنا إنكار سبب رئيس لتلك الظاهرة وهو أن العالم العربي في جزء كبير منه قد استسلم تاريخيا إلى أسلوب غير راشد في الحكم، يقوم أصلا على الاستقواء بالسلاح بعيدا عن لغة العقل والحكمة والشعور بالمسؤولية وهي اللغة التي تنتج عن إقامة عقد اجتماعي يضمن سلامة الجميع.

لقد أنتجت الفوضى التي تحكمت في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم لسنوات طويلة وضعا غير عقلاني قاد إلى ما نحن فيه اليوم من جنون مغال فيه، بحيث صار ذلك الجنون وقد أطبق على فئات كثيرة من المجتمع هو الوسيلة الوحيدة التي تتم من خلالها السيطرة على الأمور وتصريفها.

وبغض النظر عما يحدث عالميا فإن المجانين قد قرروا الاستمرار في إحياء حفلتهم على حساب كل ما يمكن أن يقدم العرب أو يعرف بهم باعتبارهم بشرا أسوياء. كأن مستوى الانهيار العقلي قد فاق كل قدرة على إيقافه وليست هناك من وسيلة للقيام بذلك سوى القوة.

وما من قوة جاهزة للقيام بتلك المهمة الآن بسبب انشغال العالم كله بالوباء الذي فتك بحياة أكثر من ربع مليون من البشر. وهو ما يهب المتحاربين العرب فرصة ذهبية للتعبير عن نزعاتهم الوحشية التي ستكون عنوانا لمرحلة هي الأسوأ في تاريخ هذه الأمة.

وإذا ما كانت هناك دول عربية قد تعاملت مع الوضع الراهن بحكمة وإيجابية وعبرت عن شعور عميق بالمسؤولية عن سلامة مواطنيها بل إن للبعض منها قدرا لائقا من الرغبة في تقديم المساعدة الطبية لدول أخرى فإن هناك دولا مثل ليبيا واليمن وسوريا قد أفقدها ارتهان الأطراف المتنفذة فيها إلى السلاح القدرة على أن تستعيد اندماجها بالمجتمع الدولي. ذلك الاندماج الذي فقدته بعد أن سقطت هيبة الدولة والمجتمع معا تحت أقدام رجال العصابات وقطاع الطرق وتجار السلاح.

فشلُ الفايروس في الحدّ من همجية المتحاربين الذين لا يملكون سببا إنسانيا واحدا لاستمرارهم في القتل إنما يعتبر حلقة فشل عربي جديد يُضاف إلى سلسلة متصلة من حلقات الفشل السياسي الذي أدى إلى انهيار الدولة المدنية والعودة بالمجتمعات إلى عصور بدائية، تحكمها لغة السلاح وحدها.

بسبب ذلك سيكون للتاريخ حكم قاس على العرب.