فاروق يوسف يكتب:
الغنوشي عقبة في طريق حركة النهضة
هل سيُطوى ملف راشد الغنوشي بهدوء ويغادر زعيم حركة النهضة الحياة السياسية تفاديا لمحاكمته بتهم تمتد من مصادر ثروته إلى اتصالاته الخارجية التي يؤكد الكثير من سياسيي تونس أنها غير مشروعة لأنها تتم بطريقة فردية غامضة، فيما يُفترض بالرجل، وهو رئيس السلطة التشريعية، أن يُطلع البرلمان على اتصالاته والأهداف التي تنطوي عليها؟
ربما تأخر الوقت على القيام بإجراء من ذلك النوع بسبب اتصال الغنوشي غير الموفق بحكومة الوفاق في ليبيا، وكانت مناسبة ذلك الاتصال التهنئة بما حققه مرتزقة رجب طيب أردوغان من تقدم عسكري على الأرض. ما فعله الغنوشي من وجهة نظره لم يكن خطأ. فلقد اعتاد على أن يضع المصلحة السياسية الوطنية على الرف حين يتعلق الأمر بمصلحة الجماعة العقائدية التي ينتمي إليها. وهي الجماعة التي تقاتل في ليبيا ويتزعمها صديقه أردوغان الذي قد يكون مسؤوله الحزبي.
ولكن هل ورط الغنوشي حركة النهضة في مشكلات، ليست لها يد فيها؟
أعتقد أن الرجل قد قرر بعد أن كثرت فضائحه وازداد عدد المنادين إلى مساءلته داخل البرلمان أن يمضي قدما في نهجه اللاوطني، كما لو أنه يسعى إلى تطبيع خروقاته للدستور مستندا على حركته التي يشك الكثيرون أنها لا تزال تمتلك الشعبية التي كانت وراء حصولها على المقاعد الأكثر في البرلمان.
ما صار واضحا أن خطر الغنوشي على حركة النهضة يضعها في مواجة احتمالين. إما أن تنهار من الداخل وهو الحل الذي يضمن لها البقاء في الحياة السياسية، وإما أن تتمسك بالغنوشي وهو ما يمكن أن يتسبب في وقوع فوضى ستقود بالضرورة إلى صدام شعبي معها لن تكون نتائجه أقل من نبذها النهائي من الحياة السياسية.
إقالة الغنوشي من منصب رئاسة مجلس النواب قد تكون حلا وسطا تستفيد منه حركة النهضة، كما قد يهدئ من غضب الأحزاب التي تجد في تصرفاته الشاذة خرقا للدستور التونسي والعمل السياسي المحترف.
غير أن الغنوشي المغرم بالمؤامرات صار يتوعد بمقاضاة كل من يشكك بنزاهة ذمته المالية واتصالاته الخارجية، وهو ما يعني أنه سيقيم دعاوى على الجزء الأكبر من الشعب التونسي.
ذلك ما يشير إلى انفصال الرجل عن واقعه. فهو يفكر في أعدائه فيما ينسى المصير السياسي للحركة التي يتزعمها والتي صارت الشبهات التي تلاحقه تنذر باستبعادها من الحياة السياسية.
هل هو خرف الشيخوخة العقائدي، أم أنه الغرور الذي صنعه بذخه غير المتوقع؟ سيضرب فقراء حركة النهضة كفا بكف وهم يشعرون بالخيبة والإحباط بسبب ما خسروه من سنوات من أعمارهم وهم يعتقدون أن الغنوشي يؤمن بالعدالة الاجتماعية.
يكشف الرجل اليوم عن مشروعه. ذلك مشروع لا علاقة له بالفقراء وليست له أدنى صلة بتونس التي لم يعرف أولئك الفقراء وطنا لهم سواها. يستعمل الغنوشي تونس غطاء لتحركاته الشخصية المريبة. وهو إذ يستقوي على التونسيين بغطاء الحماية الأردوغانية، فإنه يعبر عن استخفافه بالقانون التونسي وبكل من يطالب بتطبيق ذلك القانون.
فهل ستتخلص حركة النهضة من الغنوشي؟
أعتقد أنه الحل الأمثل وإلا فإن الثورة التونسية ستصحح مسارها. حينها لن يكون للإسلاميين مكان في المرحلة المقبلة.
لقد ثبت بما لا يقبل الشك أن الإسلاميين لن يحكموا تونس، غير أن في إمكانهم أن يكونوا جزءا من العملية السياسية. ذلك ما أتوقع أن حركة النهضة ستسعى إليه بعد أن تتخلص من الغنوشي وأتباعه.
عن طريق ذلك الحل ستتمكن الحركة من تخطي عقبة تحول بينها وبين التعبير عن انتمائها إلى تونس وتمسكها بمبادئ الثورة.