فاروق يوسف يكتب:
تونس لن تكون ضحية لحركة النهضة
كان هناك اتفاق متفائل على أن تونس عبرت اختبار الفوضى ونجحت في أن تجمع بين علمانييها وإسلامييها في كيان مدني واحد.
وقعت بعض الأحداث المؤسفة التي كانت تشير إلى الرغبة في التصعيد من قبل المتشددين، غير أن الأحزاب بما فيها حركة النهضة الإسلامية لم تنجرّ إلى الفخ وظلت متمسكة بالخيار الديمقراطي.
كانت تقديرات الأحزاب تقوم على أساس مقومات وطنية صرفة، شكلت حقيقة أن تونس نجحت عبر سنوات التحرر من الاستعمار في بناء دولة مدنية واضحة المعالم.
كانت تلك الدولة راسخة من خلال مؤسساتها وقوانينها والأهم إيمان وثقة الشعب التونسي بتلك الدولة.
وإذا ما كان زين العابدين بن علي عبر سنوات حكمه قد عطل بعض القوانين بما سمح للفساد بالاستشراء وهو ما أنشأ اقتصادا غير متوازن، دفعت ثمنه الطبقات ذات الدخل المحدود، فإن إعادة الأمور إلى نصابها لم تكن أمرا صعبا، وبالأخص في ظل تشريع قوانين تهدف إلى مساءلة الفاسدين والحد من فرص ثرائهم غير المشروع.
غير أن ما تبين أن حركة النهضة لم تكن مقتنعة بالخيار الوطني الديمقراطي، بسبب ما يتطلبه ذلك الخيار من شفافية، فوجدت في تحكمها بمفاصل الحكم فرصة لأن تحلّ فسادا محل فساد، فكان أن حل فاسدوها محل فاسدي نظام بن علي.
تلك مشكلة واجهها التونسيون بحيطة، ذلك لأنهم اعتبروها مشكلة زائلة في ظل استتباب النظام الديمقراطي الذي يتيح فرصة تداول السلطة؛ ففساد حكومة النهضة يمكن أن يزول بزوالها.
كان ذلك التقدير في محله لولا أن حركة النهضة لم تغادر السلطة.
الأسوأ أن حركة النهضة صارت بعد أن هيمنت على جزء كبير من الدولة تفرض أجندتها الإخوانية على السياسة الخارجية. وهو ما فعلته عبر السنوات الماضية حين كانت وزارة الخارجية جزءا من حصتها.
ما لا يمكن أن تتخلى عنه حركة النهضة هو تبعيتها لجماعة الإخوان المسلمين. ذلك ما يضعها حتما خارج الاتفاق الوطني وبالأخص في ما يتعلق بليبيا، البلد الجار.
فإذا ما كانت تونس قد اختارت النأي بنفسها عمّا يجري في ليبيا فإن حركة النهضة لا تملك سوى أن تنحاز إلى طرف محدد من أطراف الصراع. وكان طبيعيا أن تكون ميليشيات طرابلس المدعومة من تركيا هي ذلك الطرف.
بذلك تكون حركة النهضة قد نسفت الاتفاق المتفائل.
تونس اليوم مهددة بالفوضى أكثر مما كانت في أي وقت سابق.
ما فعلته حركة النهضة أنها جعلت المشهد السياسي التونسي مكشوفا بحيث صارت دول عديدة تخطط للتدخل في ليبيا من خلال تونس.
كانت فرنسا قد قدمت عروضها بطريقة مبطنة غير أن الولايات المتحدة سبقتها في إرسال جنودها. تلك مقدمة سيئة في ظل صمت المؤسسة الرسمية التونسية.
كل ذلك سيرتد على الداخل التونسي. فهل الديمقراطية في خطر؟
ربما ستجد حركة النهضة في التدخل الأميركي نوعا من الفرج، غير أن ذلك سيكون بمثابة فضيحة على المستوى الوطني. ذلك لأن الحركة بعد أن تخلت عن خيار النأي بالنفس صارت تنظر بترحيب إلى فتح أبواب تونس لتكون ممرا للتدخل في ليبيا.
ربما تفكر حركة النهضة في إنقاذ رئيسها من المساءلة من خلال فوضى التدخل الأميركي. ذلك أمر عرضي يمكن التغاضي عنه. غير أن الثابت أن تلك الحركة إنما تؤدي مهمتها العقائدية من خلال الاصطفاف مع الميليشيات الإخوانية التي تقاتل في طرابلس.
ما يخيف في كل ما يجري أن تكون حركة النهضة قد خططت لأن تجرّ تونس إلى الفوضى التي سبق لها وأن تخطتها.
تونس التي أعرفها لن تكون ضحية لحركة النهضة.