فاروق يوسف يكتب:

فشل الغنوشي مكلف مثل نجاحه

سيكون غياب راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، عن المسرح السياسي في تونس حدثا مريحا بالنسبة إلى أطراف عديدة.

بالنسبة إلى خصومه في مجلس النواب فإن ذلك الغياب سيشكل فرصة لطرح الكثير من التشريعات التي تتعلق بتدعيم الدولة المدنية وهو ما سيضع السلطة التشريعية في مكانها الصحيح. أما بالنسبة إلى حركة النهضة فإنه سيزيح من أمامها عقبة تحول بينها وبين تجديد آليات عملها بما ينسجم مع تطورات الحياة السياسية الداخلية والخارجية.

لقد كان النهضويون يتمنون لو أن زعيمهم أعتزل العمل السياسي منذ سنوات، لكانت خطوته تلك أراحتهم من الشبهات وسمحت لهم بالعمل من أجل التفكير في الانتقال بحركتهم إلى مستوى العمل الوطني، بعيدا عن الارتباط بتنظيمات خارجية يعتقد البعض أن الغنوشي كان السبب في وقوعه.

بالنسبة إلى الجميع صار الغنوشي يمثل نمطا قديما من التفكير السياسي. ذلك النمط يقع خارج إطار الإجماع الوطني بسبب تمسكه بمعارضة، سبق لها وأن تورطت في علاقات مريبة مع تنظيمات دولية تحوم حولها الشبهات. في ذلك ما يحرج جيلا جديدا من النهضويين الذين يفكرون في إمكانية أن تتحول حركتهم إلى حزب وطني لا يقيم وزنا لعلاقات الحركة الخارجية القديمة.

حين تُطوى صفحة الغنوشي تُطوى معها الكثير من الصفحات التي تثقل الحركة بتاريخ ملتبس من العلاقات التي ينبغي عدم الالتفات إليها.

سيكون مهمّا بالنسبة إلى الحياة السياسية في تونس أن تتخطى عقبة حركة النهضة التي أعاقت السير إلى الأمام. فالثورة لم تقع من أجل أن تستولي حركة أصولية يُشكّ في ارتباطاتها الخارجية على الحكم.

ذلك ما يدركه الجيل الجديد من أعضاء حركة النهضة وهم يعرفون أن مصير حركتهم السياسي بات على المحك إذا ما استمر الغنوشي وأتباعه في قيادة الحركة. لذلك صدرت أصوات من داخل الحركة مطالبة الغنوشي باعتزال العمل السياسي حفاظا على تماسك الحركة وقدرتها على الاستمرار.

من المتوقع أن يواجه الغنوشي تلك الأصوات بعناد ويرفض الاستقالة وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى ظهور الانشقاقات الموجودة أصلا إلى العلن. لن تحافظ حركة النهضة على تماسكها إذا ما أصر الغنوشي على البقاء على رأس الحركة.

في الواقع سيكون على الرجل يومها أن يعيد تنظيم حركته من جديد.

غير أن كثيرا من المفاجآت ستكون في انتظاره. أهم تلك المفاجآت تتعلق بشعبية حركته التي ستكون في الحضيض. فالتظاهرات التي شهدتها مدن تونسية خلال الأيام الماضية كانت موجهة ضد حركة النهضة وهو ما سيؤدي إلى تآكل شعبيتها.

يتمنى المرء لو قبل الغنوشي المضي إلى الاعتزال برأس مرفوعة.

الغنوشي لن يفعلها. سيصر على البقاء عنصر إزعاج في مجلس النواب الذي هو رئيسه وفي حركة النهضة التي هو زعيمها.

سيستغرق التخلص منه وقتا، غير أنه وقت مستقطع من الحياة السياسية الوطنية. فمن أجل الإطاحة به سيدخل البعض في صراع عبثي، نتائجه معروفة سلفا، غير أن الرجل سيجد في ذلك الصراع ما يرضي غروره.

فهو من وجهة نظره لا يسقط إلا من بعد معركة.

لذلك دخلت أطراف تونسية عديدة معركة وطنية مفتوحة من أجل إسقاط الغنوشي.

من غير إزاحة عقبته ستظل الحياة السياسية في تونس تعاني من الدوران في فراغ تجاذبات سياسية، تعطل عمل الحكومة وتوظف الجهد السياسي في مواقع لن يستفيد منها أحد على مستوى العمل المباشر.

فالغنوشي الذي صار واضحا أنه لن يتمكن من فرض أجندته الإخوانية على الدولة سيكون فشله مكلفا في حال استمراره في منصبه رئيسا لمجلس النواب وزعيما لحركة النهضة.

لذلك صار التخلص منه واجبا وطنيا وحزبيا من شأنه أن يمدّ الحياة السياسية في تونس بأسباب الشفاء من أمراض التطرف.