فاروق يوسف يكتب:
التفكير في الفن
نتعلم في المدارس كيف نمارس الفن. ولكن المدارس لا تعلمنا الطريقة التي يمكن من خلالها أن نفكّر في الفن. ذلك درس ليس مدرسيا، لأنه يتعلّق بالخلق الذي هو من إنتاج الخيال الشخصي.
التفكير في الفن ليس حرفة. إنه خبرة يكتسبها المرء بطرق متشعّبة. رؤية عدد لا يحصى من الأعمال الفنية ضرورية، غير أنها لا تكفي ما لم تستند إلى ثقافة، يكون الفن محورها. فالفن وهو تجربة إنسانية عميقة ينطوي على حقائق، هي خلاصات لمعنى تماس الإنسان بالأشياء التي تحيط به وبالوقائع التي تخترق حياته.
ذلك يعني أن كل فنان عاش تلك التجربة بطريقة خاصة. طريقة ستقوده إلى دروب سيكون عليه أن يسلكها، وهو يفكّر في الوصول إلى خلاصه عن طريق الفن.
ما نراه من اختلاف في أساليب التعبير الفني إنما هو تجسيد لاختلاف في طرق التفكير الفني. والتفكير في الفن هو مفهوم يختلف كليا عن مفهوم التفكير عن طريق الفن. الثاني ينتمي إلى الفنون المعاصرة، وأنا هنا غير معني به. كان الفرنسي بول سيزان يفكّر في مصير الفن وهو يرسم. ذلك ما دفعه إلى اختراع قوانين جديدة للرسم تختلف كليا عن القوانين التي كانت متّبعة في زمانه والتي تعود إلى عصر النهضة.
ألغى سيزان المنظور التقليدي لتحلّ محلّه العلاقات الهندسية. ذلك كان أساس ثورة الفن الحديث في القرن العشرين. شكل ظهور الرسام الفرنسي فاصلة بين نوعين من الرسم. لذلك يُقال “رسم ما قبل سيزان” و”رسم ما بعد سيزان”.
بعده اهتدى الرسامون إلى أهمية وضرورة أن يفكّر الرسام في الفن بطريقته الخاصة، وأن يتحاشى الوقوع تحت تأثير طريقة الآخرين في التفكير.
كان ذلك هو التحدّي الأكبر الذي واجهه رسامون كبار مثل بيكاسو وماتيس وتابيس وهارتونغ وجاسبر جونس وكارل آبل وسي تومبلي ووليام دي كوننغ وآخرون. أن تكن رساما فإن ذلك معناه أنك تمتلك طريقة خاصة في التفكير في الفن على كونه خلاصا.