فاروق يوسف يكتب:
حوار أميركي عراقي بين التفاؤل والتشاؤم
هل يمكن أن يكون الحوار العراقي الأميركي حوارا أميركيا إيرانيا بالوكالة؟ يمكنه أن يكون كذلك لولا أن حاجة الولايات المتحدة إلى الحوار مع العراقيين هي أكثر إلحاحا من حاجتهم إلى مثيله مع الإيرانيين.
ما لا يعرفه الإيرانيون عن ضرورة العراق بالنسبة إلى الولايات المتحدة سيكون حاضرا باعتباره استحضارا للاتفاقية الإستراتيجية التي وقعها البلدان عام 2008 وهي اتفاقية بعيدة المدى لا تتعلق بالجانب العسكري بل تتعداه إلى جوانب اقتصادية وثقافية واجتماعية وتعليمية متعددة الجوانب.
تلك اتفاقية لم ينته العمل بها وليس في الإمكان وضع نهاية لها بالرغم من أن الفريق الشيعي الذي وقعها في عهد حكومة نوري المالكي قد عمل على وضعها على الرف كما لو أنها لم تكن. وكان ذلك التصرف قد انطوى على إضرار متعمد بالعراق كونه الجهة المستفيدة.
كانت تلك الاتفاقية أشبه بمحاولة اعتذار عن احتلال العراق.
أرادت الولايات المتحدة من خلال تلك الاتفاقية أن تضع خبراتها في مسائل شتى في خدمة الدولة العراقية الناشئة، غير أن الحكومات العراقية المتعاقبة فضلت أن تستفيد من الخبرة الإيرانية المكلفة بدلا من أن تلجأ إلى الخبرة الأميركية المجانية التي كانت جاهزة حسب ما تنص عليه الاتفاقية.
وكما صار معروفا فإن الخبرة الإيرانية نجحت في تدمير ما تبقى من إمكانية لدى العراقيين لبناء دولة، فصار العراق أشبه بولاية إيرانية يديرها قاسم سليماني ممثلا للولي الفقيه الذي تدين له بالولاء ميليشيات مسلحة، تمكنت من الإطباق على مفاصل الدولة إلى أن فرضت على المجتمع أن يكون لها ممثلون في مجلس النواب وهو السلطة التشريعية التي أقرت قانون إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية.
لذلك يعتقد الكثير من العراقيين بسبب التضليل والإرهاق الدعائي بأن الحوار مع الولايات المتحدة سيكون منحصرا بمسألة بقاء القوات الأميركية من عدمه على الأراضي العراقية. ذلك أمر غير صحيح. لأن القوات الأميركية يمكن التحكم بحركتها من خلال إعادة انتشارها داخل الأراضي العراقية أو خارجها من غير الحاجة إلى أن يُجرى حوار منظم بين الطرفين.
من المتوقع أن يكون ذلك الحوار بداية لوضع خطة لإنقاذ العراق. وهي خطة قد تكون متفائلة أكثر مما ينبغي بالقياس لما يمكن أن يواجهها من معوقات على أرض الواقع.
ما يمكن أن يحصل عليه العراق ممثلا بحكومة الكاظمي من وعود أميركية يمكن أن يحبطه مجلس النواب الذي تسيطر عليه التنظيمات والميليشيات المسلحة التابعة لإيران. فهل ستكون العودة إلى النظام الإيراني ضرورية من أجل أن تأخذ مخرجات الحوار طريقها إلى الواقع؟
ذلك ما لا يتوقع حدوثه أحد.
ولكن هل ستتمكن إيران فعلا من إبطال القدرة على التعاون بين العراق والولايات المتحدة في ظل وضعها الاقتصادي المتردي؟ ثم أن ميليشياتها في العراق هي في حاجة إلى مَن يمولها بعد انخفاض سعر النفط الذي أدى إلى إفلاس الخزينة العراقية. ستتردد تلك الميليشيات كثيرا قبل أن تعود إلى لغتها القديمة. لن يؤثر في ذلك بقاء ميليشيا واحدة على إخلاصها لخط الإمام.
كل ذلك يقع على الجانب المتفائل. أما على الجانب المتشائم فإن ما يمكن توقعه أن يتوصل الجانبان إلى اتفاقات لن يأملا منها أن تنتقل إلى أرض الواقع، لا بسبب الصعوبات الاقتصادية بل لأن البيئة السياسية غير مستعدة لقبولها. وبذلك تطوى صفحات حوار، كان من الممكن أن يخرج العراق من متاهته.
رئيس الوزراء العراقي الحالي يعرف أكثر من غيره أن في إمكان الولايات المتحدة التي صنعت متاهة العراق أن تخرجه منها. غير أن تلك المعرفة ستكون مضرة بالنسبة إلى الآخرين من شركائه في العملية السياسية الذين يراهنون على الحليف الإيراني.
تلك هي المعضلة.