محمد أبوالفضل يكتب:
حلال لتركيا حرام على مصر
وفر مناصرو تركيا الكثير من الجهود على الدولة المصرية، فقد أسهموا في إفشال خطابهم بأنفسهم، من خلال التناقضات التي وقعوا فيها، وبدأت تتجلى على وقع مجموعة من التطورات الإقليمية، ما جعل البعض من المتابعين يلتقطون بسهولة الفخاخ المنصوبة.
وقع هؤلاء في جملة من الأخطاء، ولم يتراجعوا أو يعتذروا عنها، هي جزء من الخطاب القاتم الذي يوجهونه للرأي العام، ومكونات العمل الجديد الذي يعتمد على الإلحاح منهجا، بغرض تكريس صورة ذهنية محددة.
هي آلية قديمة تعتمد على الشحن الجماهيري، فالمهم أن تبدو تركيا “حرة مستقلة قوية”، لا يقف في طريقها أحد، والإيحاء بأنها قوة تناهز القوى العظمى، والاستدعاء الخفي لفكرة الإمبراطورية العثمانية البائدة.
ما يعرف بجماعة تركيا، وهو مصطلح أستخدمه للتأكيد على جوهر الانتماء، أمثال جماعة قطر، وجماعة الإخوان، أصبحت أكثر انتشارا، يجمعها خيط واحد يكمن في استهداف الخصوم السياسيين بضراوة، وتعظيم تحركات الرئيس رجب طيب أردوغان، والدفاع عن المتطرفين والإرهابيين، وتحليل (من الحلال) تصرفاتهم وإضافة مسحة من المنطق عليها كي يسهل تسويقها.
صدعت جماعات تركيا وقطر والإخوان الرؤوس في تقديم تفسيرات غير منطقية بشأن غزو ميليشيات أردوغان ليبيا، ولم تذكر إشارة واحدة تؤكد أن القوات التي حملت برا وبحرا وجوا من المرتزقة، تم تأجيرها للقيام بمهام محددة، هي القيام بأعمال قذرة.
تتحاشى جماعة تركيا التوقف عند هؤلاء، فتارة يتم التركيز على ما يتردد حول وجود عناصر “فاغنر” الروسية في الأراضي الليبية، وأخرى على استثمار العمالة المصرية الموجودة في ليبيا والقبض على بعضهم وتصويرهم كأنهم عناصر مخابراتية.
يمكن رصد عدد من الإجراءات التي تصب في اتجاه المغالطات، من التفاهمات والاتفاقيات المتعددة مع حكومة فايز السراج في طرابلس، إلى اجتياح العراق وسوريا وليبيا، وحتى التمدد في الصومال والسودان. كلها محطات في نظر أنقرة شريفة ومهمة للإنسانية.
قارن بين المساعدات الطبية التي قدمتها تركيا ومصر لدول مختلفة. فالأولى عندهم تريد تخفيف المعاناة عن الآخرين، بينما ما تقدمه القاهرة، ربما لذات الدول، “فشخرة كذابة”، أي لا لزوم لها.
يستطيع المتابع رصد تناقضات كثيرة فارغة من المضمون الحقيقي، لأن جماعة تركيا لم تعد لها مهمة سوى تضخيم عبقرية أردوغان السياسية، وتسليط الأضواء السلبية على مصر، التي تتعامل بتريث غير عابئة بالتهم المفبركة.
تعتقد جماعة تركيا أن الحديث عن الصعوبات الموجودة في ليبيا كفيل بمنع مصر من التدخل العسكري دفاعا عن أمنها القومي، وأن الحديث المتكرر عن قوة تركيا هناك وعزمها على التمترس الدائم في ليبيا، كفيل بردع مصر.
كشف هذا الحديث عمق الانحياز لدى جماعة تركيا في إسطنبول وخارجها، ولا أتحدث عن الموقف من النظام الحاكم في مصر، بل عن الدولة، فلا يهم أن تضيع طالما أن هناك أملا في أن تبقى الجماعة على قيد الحياة السياسية، وفي حوزتها إشارات تجعلها رقما في المعادلة الخارجية.
جلس ثلاثة من المصريين في حضور ياسين أقطاي المستشار السياسي لأردوغان، قبل أيام، في لقاء على قناة مكملين، التي تبث إرسالها من إسطنبول، يستمعون إلى انتقادات وجهها للدولة المصرية وجيشها الوطني، ولم يبادر أحدهم بالرد، وابتلعوا إهانته.
تشير هذه النوعية من المواقف البسيطة إلى مواقف أكبر، تتعلق بأن جماعة تركيا المصرية التصقت بأردوغان وربطت مصيرها به، مع أن الرجل المعروف بالانتهازية ينفذ أجندة لا علاقة لها بأنصاره وأتباعه من المصريين.
وفرت حماقة جماعة تركيا الكثير من الجهود الإعلامية التي كانت ستبذلها القاهرة في الرد على أردوغان، فعندما تكون هناك ازدواجية أو خيانة سياسية لا داعي لتفنيد حجج الخصوم، هم تكفلوا بتقديم الرد المناسب، بالتالي لم تضعف كل هذه الدعاية، على مدار السنوات الماضية، في عضد النظام المصري.
أغفلت جماعة تركيا، وهي تزيد من حدة صراخها واتهاماتها، أنها توفر للقاهرة الكثير من العوامل الإيجابية الخاصة بزيادة التفاف الجمهور حول قيادتها، لأن خطاب العداء والكراهية يعريها، ويصرف من حولها الذين انساقوا خلفها.