فاروق يوسف يكتب:

لن يخذل العالم مصر في دفاعها عن أمنها

لم تكن تركيا على وفاق مع مصر منذ أن سقطت دولة الإخوان فيها.

لم يستطع أردوغان وهو الممثل الرسمي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين أن يهضم الهزيمة. لقد تصرف يومها بما يتناقض مع العرف الدبلوماسي فوضع تركيا كلها في خدمة أجندته الإخوانية وصار يتصرف بعدوانية في كل ما يتعلق بمصر.

لم تكن علاقة مصر بتركيا جيدة عبر التاريخ الحديث غير أنها لم تبلغ هذه الدرجة من السوء إلا في عهد أردوغان. فالرجل يغلب في علاقته مع العالم العربي نزعته العقائدية على مصالح تركيا وهو يبيح لنفسه التدخل في الشأن العربي من غير أن يخشى عقابا.

لذلك فإنه وجد في تدخله العسكري في ليبيا مناسبة قد لا تتكرر لاستفزاز مصر من خلال التلويح بالأهداف المضمرة لمغامرته. فأردوغان الذي صار بعد غزوته الليبية يتحدث بصوت عال عن الخلافة العثمانية يدرك جيدا مدى حساسية الوضع في ليبيا بالنسبة لمصر وبالأخص أن ذلك الوضع ينطوي على إمكانية أن تشكل ليبيا جبهة لجماعة الإخوان المسلمين في مسعاها لضرب الاستقرار في مصر انتقاما من الدولة والمجتمع المصري.

مصر إذاً تواجه مؤامرة مزدوجة، مادتها أطماع أردوغان الاقتصادية في ليبيا ونزعته العدوانية لفتح الطريق أمام الإخوان لإلحاق الأذى بها. ذلك ليس بخاف على أحد من الأطراف المهتمة بتطورات الموقف العسكري في ليبيا. روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليونان بشكل خاص. الجميع يدرك خطورة الموقف بالنسبة لمصر إضافة إلى اهتمامهم بالمعادلات السياسية وتداعيات الصراع العسكري داخل ليبيا.

فإذا سُمح لتركيا بالاستمرار في الزج بمزيد من مرتزقتها في القتال، خلافا لقرار مجلس الأمن، فذلك معناه أن ليبيا ستكون مأوى جديدا للتنظيمات الإرهابية التي سيكون من الصعب في ما بعد اقتلاعها قبل أن تلحق الخراب بما تبقى من البنية التحتية، ناهيك عما يمكن أن تلحقه من أضرار فادحة بالنسيج الاجتماعي الليبي، الذي يمكن تمزيقه بسبب التركيبة القبلية المعقدة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع الليبي.

تخشى مصر أن يتأخر المجتمع الدولي في استجابته بسبب خلافات في وجهات النظر داخل حلف الناتو، أو بسبب عناد أميركي روسي يكون محوره محاولة كل طرف منهما إعاقة الطرف الثاني فتقع الكارثة التي يخطط لها أردوغان. حينها يكون تدخلها بمثابة هبوط إلى هاوية لا قرار لها.

اختارت مصر أن تدق ناقوس الخطر وأعلنت جاهزية جيشها للدفاع عن أمنها في وقت مناسب. ذلك هو الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه المجتمع الدولي مستعدا للقيام بواجبه من أجل حماية دولة صارت مهددة باستيلاء التنظيمات الإرهابية عليها وتحويلها إلى قاعدة لتهديد الأمن في المنطقة.

في واقع الأمر لم تستنجد مصر بالدول المهتمة بالشأن الليبي بقدر ما انصب اهتمامها على القبائل الليبية، التي ترفض التدخل الأجنبي في شؤون بلادها لتكون رأس الحربة في حرب تحرير وطنية، سيكون الجيش المصري عنصرا مساعدا فيها.

غير أن مصر في حقيقة الأمر حين دقت ناقوس الخطر فإنها وجهت نداء إلى المجتمع الدولي ليقف معها ضد التهديد الذي تمثله التنظيمات الإرهابية، التي صارت تركيا تحارب من خلالها مستغلة اختلاف وجهات النظر بين الدول التي تجمع على أن الوضع في ليبيا يمضي في اتجاه الكارثة.

مصر تدافع عن نفسها. فهي أكثر الدول تأثرا بما يجري في ليبيا. ذلك صحيح. غير أن الموقف الدولي حين ينحاز ضد الغزو التركي فإنه يعبر عن شعور عميق بالمسؤولية في مواجهة الوضع الإقليمي. مصر هي قلب المنطقة وهي قبة الميزان. ذلك يعني أن الإنصات إليها أمر في غاية الأهمية.

لذلك فإن مصر لن تكون وحدها في مواجهة العدوان التركي إذا ما تطلب الأمر ذلك.