إبراهيم أبو عواد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الضوء الاجتماعي والمصير المشترك
1
التعاملُ مع الحقائق الاجتماعية هو في الحقيقة تعاملٌ معَ أساليب التفكير البشري ، ومصادرِ المشاعر الإنسانية ، لأنَّ الحقائق الاجتماعية لَيست كُتُلًا صَمَّاء ، ولا كيانات معزولة ، ولا قوالب جامدة ، بَل هي حقائق معرفية ذات جُذور راسخة في بُنية المجتمع ، تُمثِّل انعكاسًا للحُلم الإنساني على الصعيدَيْن : الفكري والشُّعوري . وكُل عملية انعكاس في المنظومة الاجتماعية تدفع باتجاه البحث عن مَصدر الضَّوء الاجتماعي الأساسي، لأن وُجود الضَّوء سابق على انعكاسه ، وماهية الشيء سابقة على تأثيراته في عناصر البيئة المُحيطة .
2
الضَّوءُ الاجتماعي هو طبيعة التأسيس الشُّعوري على قاعدة الفكر الإنساني ، وكُل ضَوء يجب أن يكون واضحًا في ذاته ، وقادرًا على توضيح الطريق للآخرين . ووفق هذه المُعادلة ، يتحدَّد منهجُ نجاة الفرد المرتبط بالخلاص الجماعي،لأن الجُزء والكُل في قارب واحد،وهذا يجعل مصيرهما مُشتركًا.ولا يُمكن للقارب أن يصل إلى بَر الأمان في ليل العواصف ، إلا إذا اتَّجَهَ نَحو ضَوء المَنارة بأقصى سُرعته . وكما أن ضَوء المَنارة هو أمل النَّجاة للقارب ، كذلك الشُّعور الإنساني النبيل المُشيَّد على الفكر الإبداعي ، هو أمل النجاة للفرد والجماعة.
3
المَصيرُ المُشترك لَيس شعارًا عاطفيًّا للاستهلاك اليَومي ، وإنَّما هو أساس وجودي متين في صميم العلاقات الاجتماعية ، لأنَّ المصير المُشترك هو الإطار الذي يُوحِّد كافةَ الجُهود البشرية ، ويَفرِض على الأنساق الاجتماعية المتحركة نحو المستقبل أن تتعاون مِن أجل تحقيق الهدف المنشود . وبما أنَّ أقصر طريق بين نُقطتَيْن هو الخط المستقيم، كذلك أقصر طريق بين الوسيلة والغاية هو المَصير المُشترك ، لأنَّه الضمانة الأكيدة لرص الصُّفوف، وتوحيد الجُهود ، وحَشد الموارد ، وتوفير الوقت . وهذا يَمنع إضاعة الجُهود وبَعثرة الموارد في طُرقات جانبية مُتشعِّبة ، ويَجعل جميعَ طاقات قوى الشعب في طريق واحد ، تمامًا كالنهر الكبير الذي يشقُّ مَجراه الأساسي ، ويَحفر طريقَه الرئيسي ، بكامل قُوَّته وتركيزه ، دُون إضاعة اندفاع مياهه الهادرة في روافد جانبية وأنهار صغيرة هامشية .
4
رِحلةُ البَحث عن الحقائق الاجتماعية في ضَوء المَصير الإنساني المُشترك ، تُمثِّل وُجودًا مُكتمل الأركان ، وحياةً قائمةً بذاتها ، لأن البَحْثَ عَن الحياةِ حياةٌ ، والسَّعْي نَحو الضوءِ ضَوْءٌ ، وما دام المجتمعُ يسير نحو ضَوءِ النجاة وأملِ الخلاص ، فهو مُجتمع حَي مُتحرِّك ، يمتلك تاريخه الحضاري ، وذاكرته الإبداعية ، وأحلامه الشخصية ، وقادر على الوصول إلى النتيجة المَرْجُوَّة والغاية المنشودة . ومَن واصلَ قَرْعَ باب المُستقبل بقُوَّة وإصرار ، بلا مَلَل ولا يأس ، سيُفتَح له في الوَقت الذي لا يتوقَّعه ، كما يُفتَح بابُ المغارة التي تَحتوي على الكنز ، ولكنَّ الشَّجاعة صَبر ساعة ، والتاريخ الإنساني _ بشكل عام _ مِثل لُعبة عَض الأصابع ، مَن يَصرخ أوَّلًا يَخسر اللعبةَ ، ويَخرج مِن التاريخ ، ويَسقط في الفراغ ، وهذا يدل على أهمية القُوَّة والثبات في وجه الأزمات ، وضرورة التَّحَلِّي بالقُدرة على التَّحَمُّل ، والعمل تحت الضغوطات الشديدة . والألمُ يُصِيب الناسَ جميعًا، لكنَّ القَوِيَّ مَن يتحمَّل ويَصبر ويحاول إزالته بهُدوء وتركيز، لأنَّ الصُّراخ والارتباك والفوضى نِقَاط ضَعْف، تُفاقم حجمَ المشكلة ، ولا تُسَاهِم في الحَل . والمجتمعُ في الأزمات مِثل السَّابح في البحر ، كِلاهما إذا ارتبكَ غَرِقَ .