محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
أسس وقواعد ومقومات بناء الدولة
تتكون الدولة من أضلع ثلاثة هي الشعب وهم مجموعة الأفراد داخل المجتمع و الأقليم الجغرافي وهي المساحة التي لها حدود معينة، والحكومة وهي السلطة التي تمارس إدارة شؤون الدولة باتفاق افراد مجتمعها، ويرتبط الافراد عادة داخل الدولة بما يسمى بالعقد الإجتماعي او بعبارة اخرى نسميه مساحة العلاقات الإجتماعية والإنسانية والسياسية بين الأفراد وهي العلاقات وتمتد افقياً بين الأفراد وتشكل العلاقات النسبية والسببية بينهم كالعائلة والمصاهرة والصداقة والزمالة، وتمتد عمودياً مع الحكومة حيث تحصل التراتبية الوظيفية ومبدأ الرئيس والمرؤوس والمواطن والمسؤول، وتعمد الدول في اغلبها على العمل لأجل ان توفر الرفاهية لشعبها ويكون الأفراد داخل الدولة متمتعين بالحقوق والحريات العامة ومتساوون فيها دون تمييز بينهم على أساس النسب او العرق او اللون او المعتقد او الإنتماء الجهوي والفئوي والحزبي والطائفي او المذهبي.
يقول الباحث الخليجي في الشؤون السياسية د سعدون جاسم الشمري : تختل موازين الدولة وتهتز أركانها إذا مارست السلطات فيها التمييز بين الافراد وأعطت امتيازات لفئات داخل المجتمع دون غيرها، وهناك العديد من الأشياء التي تؤثر بل وتضر وتهدم الدولة من بينها ارتباك منظومة التشريعات والقوانين الحاكمة، سيما وهي تعتبر من أهم الامور التي تنظم عمل الدولة وعلاقة الأفراد فيما بينهم وعلاقتهم بمؤسسات الدولة هو منظومة التشريعات والقوانين الحاكمة، فهذه المنظومات إن كانت تعسفية او مطاطية او ظالمة وغير شفافة ستكون سبب من أسباب انهيار الدولة ومحرك من محركات السخط الشعبي تجاهها، لذا فان القوانين يجب أن تصاغ بعدالة وبشمولية لتكون خادمة لكل أفراد المجتمع دون تمييز.
اما د احسان البو عينين البروفيسور في العلوم السياسية بجامعة الكويت فيقول : تعتبر العدالة الانتقائية من أهم اسباب انهيار الدولة وإثارة السخط المجتمعي عليها، ونعني بالعدالة الانتقائية تطبيق القوانين والإجراءات والعقوبات على المواطنين البسطاء وغض الطرف عن المسؤولين وذوي النفوذ والقوة والجاه والسلطة ووجاهات المجتمع.
ويردف "البو عينين" لو تحدثنا عن منظومة القوانين سنجد بانها تسير وفق مجموعة اجراءات تنفيذية لتسهيل تقديم الخدمة للمواطنين، وهذه الإجراءات إن جاءت تعسفية ومذلة للمواطنين فإنها ستكون معول كبير من معاول هدم الدولة، والتعسف ممكن ان يقوم به موظف بسيط او مسؤول كبير وهذا يؤثر تأثير مباشر على منظومة مؤسسات الدولة، كما ان البيروقراطية وهذه أس المشاكل واساسها وهي التي تهدم كيان الدولة، فالبيروقراطية حالة مرضية تصيب الدولة من خلال صعوبة الإجراءات وتعقيدها وخنق للمرونة المطلوبة لإنجاز المهام الحكومية والوظيفية، وهي تؤثر تأثيراً مباشراً على تقديم الخدمة العامة للمواطنين وهي مقدمة للفساد والإبتزاز الحكومي.
واضاف قائلاً : اما الفساد فهو من أقوى المعاول التي تهز الدولة، ففيه تذهب الحقوق ويذل المواطن ويهان وتسلب حقوقه، وبالفساد تصبح الثروات مباحه ومستباحة لفئات قليلة داخل الدولة وتكون هذه الفئات لاعباً عشوائياً بمقدرات البلد.
ويتحدث د طلعت حجازي الخبير في الشؤون السياسية بالقول : من اهم اسباب انهيار الدولة في اي بلد هي "المحسوبية والمنسوبية" وهي تشكل مشكلة كبرى تضر باي دولة فهذه المحسوبية ستجعل الأفراد المنتمون لجهات معينة يتمتعون بإمتيازات الدولة كالوظائف والخدمات والمواقع، في حين يزوى عنها بقية المواطنين وهنا لن تكون للكفاءة والنزاهة والإخلاص مكاناً في عمل الدولة وسيكون الإنتماء هو المعيار في التوظيف وتقديم الخدمة.
ويضيف : كما ان الإنقسام السياسي يعتبر احد أهم اسباب إنهيار نظام الدولة، وعادة تدار الحكومة من قبل جهات سياسية تكون على شكل أفراد ايدلوجيينأ واحزاب او تيارات او كتل سياسية وهذه الجهات ان لم تتناغم فيما بينها وتتنافس لتقديم الخدمة ستكون عندئذ عامل انقسام وتخاصم وعامل تعطيل لتشريع القوانين التي لها مساس مباشر بخدمة المواطنين، ضف الى ذلك الإنقسام المجتمعي فالمجتمع يعد ضلع من اضلاع تكوين الدول، واي اهتزاز للمنظومة القيمية المجتمعية والإنقسام الداخلي فيه وتقديم إعتبارات ضيقة على أساس الإنتماء العشائري او الديني او المذهبي او القومي سيشكل عقبة كبيرة أمام نهضة الدولة، وستكون اي دولة منقسمة مجتمعياً عرضة للتدخلات الخارجية وعرضة لفقدان السلم الأهلي من خلال الاقتتال الفئوي كالنزاعات العشائرية والقومية والطائفية.
ويستدرك بالقول : اما عن فقدان العدالة الإجتماعية والتي تعرف على إنها نظام اقتصادي واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الإقتصادية الكبيرة بين أفراد المجتمع ويأتي فقدان هذه العدالة عند منح امتيازات او مخصصات او رواتب عالية لفئات محددة في حين تترك باقي الفئات دون مورد اقتصادي او تحصل على مورد اقتصادي متدن، كالرواتب العالية للمسؤولين والوزراء والموظفين في الدرجات العليا وهنا سيدخل الحسد والحقد بين أفراد المجتمع وستتصاعد حدة السخط المجتمعي مما يهز تركيبة الدولة ويزعزع استقرارها، فالحقيقة ان الدول التي تحترم كيانها وتحترم مواطنيها عليها ان تسعى لتقديم ما فيه رفاهية المواطن وعمران الوطن والنهوض بقطاعاته الحيوية والتنموية ويكون ذلك برسم سياسية دقيقة ومدروسة من كافة النواحي وتشريع منظومة قوانين حاكمة وواضحة وتسهيل الإجراءات لأداء المهام ولإعطاء المرونة المطلوبة وإزالة الفوارق الإقتصادية والمجتمعية بين الأفراد.