محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
دور الكلمة في تغيير انماط الحياة وتفجير الثورات
تعد الكلمة من اهم عناصر القوة في الوجود البشري وهي من ابرز مظاهر حياة الإنسان وقدرته على التأثير في محيطه وحفظ مصالحه التاريخية والمستقبلية اضافة الى دورها البارز في مراحل حياته المختلفة ومن هنا كان لابد من العناية بها الى حد كبير لقوله تعالى : (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) صدق الله العظيم.
ومفتاح الجنة في كلمة ودخول النار على كلمة وقضاء الله هو الكلمة، والكلمة لو تعرف زاد مذخور وهي نور وبعضها قبور والبعض الآخر قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، والكلمة هي حصن الحرية وهي مكمن المسؤولية، والرجل عبارة عن كلمة، وشرف الله هو الكلمة، وهكذا تتضح أهمية الكلمة وكيفية التعامل بها خصوصاً حين تتحول من لفظ منطوق الى كتابة مدونة تحفظها وتتناقلها وسائل النشر والإعلام وتحفظها للإجيال آليات التوثيق وسجلات التأريخ الخالدة، وما يستدعي منا تركيزاً شديداً وانتباهاً كبيراً ينجينا من الوقوع في شر الإستخدام السيء لأهم وسائل التواصل البشري.
ما دعاني لتدوين هذه المقدمة الطويلة هو فرح يهز اعماقي وتنتشي به روحي وانا اطالع جهوداً جبارة وعطاءاً ثري يبث نسيمه بيننا وعلى بلاط صاحبة الجلالة أخوة اجلاء سخروا وقتهم وجهدهم وابداعهم للدفاع عن قضية وطنهم ودينهم ومشاكل وهموم مجتمعهم وتصدوا لنشر الوعي ببصيرة ثاقبة ورؤية نافذة تزيدنا مع كل كلمة علماً وفهماً وتمنحنا قوة وصبراً وجلداً فليس بوسعي إلا ان اقدم لهم جميل الثناء وخالص الإمتنان والتقدير داعياً الباري عز وجل ان يوفقهم للمزيد من التألق والنجاح وان يفتح لهم نوافذ رحمته ويمدهم بنور علمه وهو القادر على مايريد، بينما اجد ومع الأسف الشديد جملة من اخوتنا ممن نتوسم فيهم ذات الحرص على الوطن وقضيته العادلة والدين وهموم ومشاكل المجتمع قد استولت عليهم حالة سلبية منكرة وتجهمتهم غلواء الإضطراب الذي يحيط دنيانا من كل جانب ولم يعد بمقدروهم الوقوف على اقدامهم والذود عن مصالحهم الشخصية والعامة فاصبحوا دون ان يدروا أدوات بيد غيرهم، تتلاعب فيهم بعض الجهات المعادية وتحركهم كدمى لتنفيد أجندتها ومشاريعها ومخططاتها التأمرية الخبيثة، كذلك ما تفعله بعض وسائل الإعلام والتواصل الصفراء التي تضمر العداء للوطن وللقضية الجنوبية حيث تحول من يكتب فيها الى مسوخ بشرية وظيفتهم هي كيل وابل من القدح والذم والتهجم على رموز وكوادر الجنوب، تلك الصحف والمواقع الناقمة تحاول جاهدة نفث سموم أقلامها القاتلة وبث الأحقاد والأشاعات والفبركات لخلق حالة من الفوضى وإقلاع السكينة العامة وزعزعة السلم الإجتماعي، تلك الصحف والمواقع وللأسف الشديد من خلالها يخيل الينا وكاننا لانزال نعيش وقع وتفاصيل عصر الجاهلية، من خلال تلك الجهات التي تسوق الإدعاءات والإفتراءات والأباطيل التي تهدف من خلال خلق هوة وفجوة واسعة وعميقة وشرخ في النسيج المجتمعي الجنوبي، تنسف بطولات رجال ضحوا بدمائهم وارواحهم للدفاع عن هذا هوية هذا الوطن الغالي وعن قضيته العادلة، منذ هذا المنطلق وجدت بانه من الواجب ان اقف في صف اولئك الشرفاء من حملة الأقلام الشريفة ورواد الحرف والكلمة الذين حافظوا على ثبات مواقفهم تجاه قضايا الوطن المصيرية لأشد من ازرهم وادعوهم الى المزيد من الثبات في هذا الخط النضالي من خلال هذه الجبهة وان يواصلوا مسار كتاباتهم بقلم يخط احرف تشع بنور الحرية ويزهو بشرف ونزاهة وقوة الكلمة التي تستطيع ان تحفر بعباراتنا الصادقة والمخلصه اخاديد وسط صخور الظلام، فالجبهة الإعلامية لا تقل شأناً عن جبهة القتال التي يتحمل فيها جهابذة الجنوب الأشداء بسواعدهم السمر مهام ومسؤوليات دحر الغزاة وقطع دابر الطامعين.
الجبهة الإعلامية مثلها مثل الجبهة الحربية "جبهة القتال" ورجالها ليسوا اقل من اولئك الأبطال المرابطين في ساحات الشرف والبطولة الذين يسطروا يومياً اعظم الملاحم في التنكيل بعصابات البغي والعدوان وجماعات الإرهاب وتكبيدهم افدح الخسائر، سلاح القلم قد يكون اكثر فتكاً من سلاح البندقية في كثير من الأحيان وهذا السلاح الفاعل يجب ان يواكب ركب الحرية ومسار الإستقلال وان يوازي باطروحاته حجم الإنتصارات والبطولات الجنوبية التي تتحقق على الأرض، تلك البطولات والملاحم التي رسمتها دماء الملبين لنداء الواجب الوطني المقدس من رجال الجنوب الميامين، فمن الواجب نشاطره هؤلاء الرجال المناضلين الأحرار درب التضحية وان نتحمل مهامنا وواجباتنا ومسؤولياتنا في الجبهة الإعلامية جنباً الى جنب معهم بكل بجدية وان نشاركهم في مواجهة الأعداء بكل جبهة، وعلينا نحن حملة الأقلام واصحاب الرأي والكلمة ان نؤدي مهامنا خاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلدنا وان نرصد تحركات ابطال الثورة الجنوبية وان نوثق صولاتهم وجولاتهم وبطولاتهم وتضحياتهم وان نخلد انتصاراتهم العظيمة في جميع المواقع والجبهات ضد زمرة البغاة والمعتدين وفلول الإرهاب والمجرمين الذين يريدوا ابادة شعب الجنوب باكمله وقتل وتشريد اطفالنا ونسائنا وتمزيقنا وطمس هويتنا والسطو على املاكنا باساليب تعربد وبلطجة لم يشهد لها التاريخ مثيل.
يواجه شعب الجنوب اليوم حرب شعواء تقودها العصابات الإرهابية اليمنية المدعومة من جهات خارجية، لكن تلك السلوكيات والممارسات الإجرامية والتصرفات الغوغائية البلهاء تجد دوماً رجال الجنوب الأبطال يقفون امامها ويتصدون لها بصلابة وقوة وحزم، ابناء الجنوب بالوعي والإدراك يحبطوا اليوم كل محاولات العدو اليمني المتغطرس ويفشلون مخططاته الرامية لإعادة الجنوب الى زمن العبودية والذل والوصاية والتبعية والضم والإلحاق من جديد.
لقد امعنت عصابات الإحتلال اليمني منذ ان اجتاحت الجنوب عسكرياً صيف 1994م وفرضت عليه حكمها العسكري الجائر واخضعته بقوة السلاح لسلطة الضم والإلحاق و نشرت ثقافة الفساد في كل اروقة ومفاصل هذا الشعب المقهور والمكلوم من خلال منظومة احتلال احترافية امتهنت اساليب النهب والسطو والفيد والقتل وكسر الإرادة وتكميم الأفواه وطمس الهوية وتسريح واقصاء وابعاد كل ما له علاقة بهذا الوطن قبل ان تتفجر أرض الجنوب حمم وبراكين لأهبة احرقت جحافل الغزاة والمحتلين وجعلتهم يلوذوا بالفرار يجروا ورائهم اذيال الخيبة والخسارة والخزي والعار والهزيمة وتطاردهم لعنات المساكين من ابناء شعب الجنوب المظلوم، وبفضل الله أولاً ومن خلال ضربات رجال الجنوب الموجعة تحقق النصر ووضع الحد النهائي لمسلسل وفصول مهزلة ماوتسمى بـ"الوحدة" التي مورست قهراً وفرضت عنوة وبالقوة على ابناء شعب الجنوب منذ 1994م من قبل نظام الجمهورية العربية اليمنية.
بعد كل تلك التضحيات الكبيرة وقوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين الذين قدمهم شعبنا في سبيل انجاح مشروع الحرية والإستقلال يجب على جميع المثقفين واصحاب الرأي والكلمة ان يفعلوا من دور الجبهة الإعلامية الراكد وان يواكب الحدث ويرتقوا الى مصاف مستواه، وان يشاركوا في صنع التحول الإستراتيجي والتأريخي للجنوب الذي نسير اليوم على اعتابه، وان يتسلح الجميع بسلاح الكلمة التي تشد من ازر مغاوير الرجال في الجبهات، وان نكون جميعاً مساهمين بفاعلية في صنع التحرر والإنعتاق والنجاح والإنتصار فالتأريخ لا يخلد بين صفحاته الناصعة إلا فحول البطولة، ولا يبرز إلا نضالات وتضحيات الأوفياء من الرجال الشرفاء والمخلصين.