فاروق يوسف يكتب:
لبنان بلد جميل لكن من غير حزب الله
ما الذي تبقّى من لبنان في ظل الهيمنة الإيرانية الرثة عليه؟
يعتبر اللبنانيون حروبهم الأهلية السابقة نزهة بريئة بالمقارنة بالظلام الذي فرضه وجود حزب الله عليهم وحوّل بلدهم إلى حزمة مفخخة وبائسة لم يعد في إمكان العالم بسببها التعامل معهم بإشفاق ورأفة.
خسر لبنان العالم وربح إيران. نهاية مأساوية لبلد كان يراهن على جماله الطبيعي وحسن عشرة مواطنيه في أن يكون قبلة سياحية عالمية ونموذجا للتسامح واحترام الحريات.
حتى في ظل النظام الطائفي وجد اللبنانيون أن الحياة السوية ممكنة وأنهم قادرون على إدارة شؤونهم بمعزل عن التسويات السياسية التي كانت تجري على حساب حقوقهم العامة.
إلى حد ما شعروا بإمكانية ترويض النظام الطائفي ومنعه من أن يكون حاجزا يفصلهم عن العالم. كانوا يمنون النفس بتحويل ذلك النظام إلى نوع من الفلكلور المحلي.
كان حلم اللبنانيين بالمستقبل يقوم على محاولة نزع مخالب الطائفية والانتقال بها إلى مرحلة التنوع الناعم الذي لا يقوم على التمييز بل على التعريف الثقافي الذي يكمن نفعه في ما يكتسبه بلد صغير من سعة خيالية.
كان لبنان في جزء منه بلدا ملهما من جهة ما كان يوحي به من رخاء إنساني.
ما حدث أن حزب الله احتال على النظام الطائفي وجعله مجرد عباءة لما كان يقوم به من عمليات خبيثة لشق صفوف الطوائف الأخرى عن طريق الترهيب والترغيب، بحيث ضمن لأغلبية في مجلس النواب أن تجد لها من يقف معها ويساندها من ممثلي الطوائف الأخرى. ذلك النجاح الساحق كان تمهيدا لإعلان هيمنته على الدولة اللبنانية، بحيث صار رئيس الجمهورية المسيحي هو مرشح حزب الله ولم يكن رئيس الوزراء السني سوى الرجل الذي اختاره حزب الله.
حدثان كانا بمثابة اعتراف لبنان الرسمي بسلطة حزب الله.
هكذا انتقل حزب الله من سلطة المقاومة التي أفرغت من محتواها بعد أن قامت ميليشياته باحتلال بيروت عام 2008 إلى سلطة الدولة التي لم تعد تملك اتخاذ قرار سيادي إلا بعد موافقة حزب الله عليه.
وإذا ما عرفنا أن حزب الله هو ميليشيا إيرانية خالصة الولاء للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية فإن استيلاءه على مفاصل الدولة اللبنانية الحيوية يعني أن لبنان صار تابعا لإيران.
صار الوضع اللبناني مربكا بالنسبة للعالم من جهة كيفية النظر إليه والتعامل مع أزماته. فهل لبنان هو ضحية نظامه الطائفي الذي يسر لحزب الله الذي نجح في اختطاف الطائفة الشيعية أن يختطف باقي الطوائف أم أن حزب الله بعد أن نجح في اختراق الأنظمة الرئيسة في الدولة اللبنانية وبالأخص النظام المصرفي صار في إمكانه أن يتحكم بالطبقة السياسية الفاسدة بغض النظر عن مصالح الطوائف التي تمثلها.
فقد لبنان مرونة أن يكون بلدا جامعا لطوائفه وفي الوقت نفسه خسر قدرته على إقناع العالم بأنه بلد متاح ومفتوح لحوار عالمي. ذلك هو سبب رئيس لعدم اكتراث العالم بالكارثة التي ضربت لبنان بتأثير الأزمة المصرفية.
لم يعد العالم يثق بلبنان.
فأية مفاوضات مع لبنان من أجل إنقاذه لا بد أن تمر بحزب الله الذي صار مؤكدا أنه المستفيد الوحيد من المساعدات التي يمكن أن تُقدم إلى لبنان.
بالنسبة للعالم فإن لبنان قد تم إفراغه من محتواه الإنساني. لبنان صار بالنسبة للعالم هو حزب الله الذي لا يمكن فصله عن الإرهاب.
لن يتعامل العالم مع لبنان باعتباره ضحية. إنه اليوم واحدة من واجهات إيران، الدولة التي تهدد الشرق الأوسط ومن خلاله العالم بحروب لا تنتهي.
صار لبنان رغما عنه جزءا من المعسكر الذي لا يملك سوى الكراهية.
لبنان البلد الذي لوث جماله قبح حزب الله سيكون عليه أن يواجه مصيره المظلم وحيدا.